الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ حري ]

                                                          حري : حرى الشيء يحري حريا : نقص ، وأحراه الزمان . الليث : الحري النقصان بعد الزيادة . يقال : إنه يحري كما يحري القمر حريا ينقص الأول منه فالأول ; وأنشد شمر :


                                                          ما زال مجنونا على است الدهر في بدن ينمي وعقل يحري



                                                          وفي حديث وفاة النبي ، صلى الله عليه وسلم : فما زال جسمه يحري أي ينقص . ومنه حديث الصديق ، رضي الله عنه : فما زال جسمه يحري بعد وفاة رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، حتى لحق به . وفي حديث عمرو بن عبسة : فإذا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، مستخفيا حراء عليه قومه ; أي غضاب ذوو هم وغم قد انتقصهم أمره وعيل صبرهم به حتى أثر في أجسامهم .

                                                          والحارية : الأفعى التي قد كبرت ونقص جسمها من الكبر ، ولم يبق إلا رأسها ونفسها وسمها ، والذكر حار ; قال :


                                                          أو حاريا من القتيرات الأول     أبتر قيد الشبر طولا أو أقل



                                                          وأنشد شمر :


                                                          انعت على الجوفاء في الصبح الفضح     حويريا مثل قضيب المجتدح



                                                          والحراة : الساحة والعقوة والناحية ، وكذلك الحرا ، مقصور . يقال : اذهب فلا أرينك بحراي وحراتي . ويقال : لا تطر حرانا أي لا تقرب ما حولنا . وفي حديث رجل من جهينة : لم يكن زيد بن خالد يقربه بحراه سخطا لله ، عز وجل ، الحرا ، بالفتح والقصر : جناب الرجل . والحرا والحراة : ناحية الشيء . والحرى : موضع البيض ، قال :


                                                          بيضة ذاد هيقها عن حراها     كل طار عليه أن يطراها



                                                          هو الأفحوص والأدحي ، والجمع أحراء . والحرا : الكناس . التهذيب : الحرا كل موضع لظبي يأوي إليه . الأزهري : قال الليث في تفسير الحرا إنه مبيض النعام أو مأوى الظبي ، وهو باطل ، والحرى عند العرب ما رواه أبو عبيد عن الأصمعي : الحرا جناب الرجل وما حوله ، يقال : لا تقربن حرانا . ويقال : نزل بحراه وعراه إذا نزل بساحته . وحرا مبيض النعام : ما حوله ، وكذلك حرى كناس الظبي ما حوله . والحرى : موضع بيض اليمامة . والحرا والحراة : الصوت والجلبة ، وصوت التهاب النار وحفيف الشجر ، وخص ابن الأعرابي به مرة صوت الطير . وحراة النار ، مقصور : التهابها ، ذكره جماعة اللغويين ; قال ابن بري : قال علي بن حمزة ة هذا تصحيف ؛ وإنما الخواة ، بالخاء والواو ، قال : وكذا قال أبو عبيد الخواة بالخاء والواو . والحرى : الخليق كقولك بالحرى أن يكون ذلك ، وإنه لحرى بكذا وحر وحري ، فمن قال حرى لم يغيره عن لفظه فيما زاد على الواحد وسوى بين الجنسين ، أعني المذكر والمؤنث ؛ لأنه مصدر ; قال الشاعر :


                                                          وهن حرى أن لا يثبنك نقرة     وأنت حرى بالنار حين تثيب



                                                          ومن قال حر وحري ثنى وجمع وأنث فقال : حريان وحرون وحرية وحريتان وحريات وحريان وحريون وحرية وحريتان وحريات . وفي التهذيب : وهم أحرياء بذلك وهن حرايا وأنتم أحراء ، جمع حر . وقال اللحياني : وقد يجوز أن تثني ما لا تجمع ; لأن الكسائي حكى عن بعض العرب أنهم يثنون ما لا يجمعون فيقول إنهما لحريان أن يفعلا ; وكذلك روي بيت عوف بن الأحوص الجعفري :


                                                          أودى بني فما برحلي منهم     إلا غلاما بية ضنيان



                                                          بالفتح ، كذا أنشده أبو علي الفارسي وصرح بأنه مفتوح ; قال ابن بري شاهد حري قول لبيد :


                                                          من حياة قد سئمنا طولها     وحري طول عيش أن يمل



                                                          وفي الحديث : إن هذا لحري إن خطب أن ينكح . يقال : فلان حري بكذا وحرى بكذا وحر بكذا ، وبالحرى أن يكون كذا ; أي جدير وخليق . ويحدث الرجل الرجل فيقول : بالحرى أن يكون ، وإنه لمحرى أن يفعل ذلك ; عن اللحياني . وإنه لمحراة أن يفعل ، ولا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث كقولك مخلقة ومقمنة . وهذا الأمر محراة لذلك أي مقمنة مثل محجاة . وما أحراه : مثل ما أحجاه ، وأحر به : مثل أحج به ; قال : [ ص: 102 ]

                                                          ومستبدل من بعد غضيا صريمة     فأحر به لطول فقر وأحريا



                                                          أي وأحرين ، وما أحراه به ; وقال الشاعر :


                                                          فإن كنت توعدنا بالهجاء     فأحر بمن رامنا أن يخيبا !



                                                          وقولهم في الرجل إذا بلغ الخمسين حرى ; قال ثعلب : معناه هو حرى أن ينال الخير كله . وفي الحديث : إذا كان الرجل يدعو في شبيبته ثم أصابه أمر بعدما كبر فبالحرى أن يستجاب له . ومن أحر به اشتق التحري في الأشياء ونحوها ، وهو طلب ما هو أحرى بالاستعمال في غالب الظن ، كما اشتق التقمن من القمين . وفلان يتحرى الأمر أي يتوخاه ويقصده . والتحري : قصد الأولى والأحق ، مأخوذ من الحرى وهو الخليق ، والتوخي مثله . وفي الحديث : ( تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر ) أي تعمدوا طلبها فيها . والتحري : القصد والاجتهاد في الطلب والعزم على تخصيص الشيء بالفعل والقول ; ومنه الحديث : لا تتحروا بالصلاة طلوع الشمس وغروبها . وتحرى فلان بالمكان أي تمكث . وقوله تعالى : فأولئك تحروا رشدا أي توخوا وعمدوا ، عن أبي عبيد ; وأنشد لامرئ القيس :


                                                          ديمة هطلاء فيها وطف     طبق الأرض تحرى وتدر



                                                          وحكى اللحياني : ما رأيت من حراته وحراه ، لم يزد على ذلك شيئا . وحرى أن يكون ذاك : في معنى عسى . وتحرى ذلك : تعمده . وحراء ، بالكسر والمد : جبل بمكة معروف ، يذكر ويؤنث . قال سيبويه : منهم من يصرفه ومنهم من لا يصرفه يجعله اسما للبقعة ; وأنشد :


                                                          ورب وجه من حراء منحن



                                                          وأنشد أيضا :


                                                          ستعلم أينا خيرا قديما     وأعظمنا ببطن حراء نارا



                                                          قال ابن بري : هكذا أنشده سيبويه . قال : وهو لجرير ; وأنشده الجوهري :


                                                          ألسنا أكرم الثقلين طرا     وأعظمهم ببطن حراء نارا



                                                          قال الجوهري : لم يصرفه لأنه ذهب به إلى البلدة التي هو بها . وفي الحديث : كان يتحنث بحراء ، هو ، بالكسر والمد ، جبل من جبال مكة . قال الخطابي : كثير من المحدثين يغلطون فيه فيفتحون حاءه ويقصرونه ويميلونه ، ولا تجوز إمالته لأن الراء قبل الألف مفتوحة ، كما لا تجوز إمالة راشد ورافع . ابن سيده : الحروة حرقة يجدها الرجل في حلقه وصدره ورأسه من الغيظ والوجع . والحروة : الرائحة الكريهة مع حدة في الخياشيم . والحروة والحراوة : حرافة تكون في طعم نحو الخردل وما أشبهه حتى يقال : لهذا الكحل حراوة ومضاضة في العين . النضر : الفلفل له حراوة ، بالواو ، وحرارة ، بالراء . يقال : إني لأجد لهذا الطعام حروة وحراوة أي حرارة ، وذلك من حرافة شيء يؤكل . قال الأزهري : ذكر الليث الحر في المعتل هاهنا ، وباب المضاعف أولى به ، وقد ذكرناه في ترجمة حرح وفي ترجمة رحا . يقال : رحاه إذا عظمه ، وحراه إذا أضاقه ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية