الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 615 ] ثم دخلت سنة ثمان عشرة وأربعمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      في ربيع الأول وقع برد أهلك شيئا كثيرا من الزروع والثمار ، وقتل خلقا كثيرا من الغنم والوحوش .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن الجوزي : وقد قيل : إنه كان في كل بردة رطلان وأكثر ، وفي واسط بلغت البردة أرطالا ، وفي بغداد بقدر البيض .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي ربيع الآخر سألت الأسفهسلارية والغلمان الخليفة أن يعزل عنهم أبا كاليجار ; لتهاونه بأمرهم ، وفساده وفساد الأمور في أيامه ، ويولي جلال الدولة الذي كانوا قد عدلوا عنه أول مرة ، فماطلهم الخليفة في ذلك ، وكتب إلى أبي كاليجار أن يتدارك أمره ، وأن يسرع الأوبة إلى بغداد قبل أن يفوت الأمر ، وألح أولئك على الخليفة في تولية جلال الدولة ، وأقاموا له الخطبة ببغداد ، وتفاقم الحال ، وفسد النظام .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة ورد كتاب من يمين الدولة محمود بن سبكتكين أنه دخل بلاد الهند أيضا ، وأنه كسر الصنم الأعظم الذي لهم المسمى بسومنات ، وقد كانوا يفدون إليه من كل فج عميق ، وينفقون عنده من الأموال شيئا كثيرا جدا ، وكان عليه من الأوقاف عشرة آلاف قرية مشهورة وقد امتلأت خزائنه أموالا ، [ ص: 616 ] وعنده ألف رجل يخدمونه ، وثلاثمائة يحلقون حجيجه ، وثلاثمائة وخمسون يغنون ويرقصون على باب الصنم ، وقد كان العبد - يعني الملك محمود بن سبكتكين - يتمنى قلع هذا الصنم ، وكان يعوقه عنه طول المفاوز وكثرة الموانع ، ثم استخار الله تعالى وتجشم بجيشه تلك الأهوال إليه في ثلاثين ألفا ممن اختارهم سوى المطوعة ، فسلم الله تعالى حتى انتهينا إلى بلد هذا الوثن ، فملكناه وقتلنا من أهله خمسين ألفا ، وقلعنا هذا الوثن وأوقدنا تحته النار .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد ذكر غير واحد أن الهنود بذلوا أموالا جزيلة للملك محمود بن سبكتكين ليترك لهم هذا الصنم الأعظم ، فأشار من أشار من الأمراء بقبول تلك الأموال الجزيلة ، فقال : حتى أستخير الله تعالى . فلما أصبح قال : إني فكرت في الأمر فرأيت إذا نوديت يوم القيامة ، فيقال : أين محمود الذي كسر الصنم ؟ أحب إلي من أن يقال : أين محمود الذي ترك الصنم ؟ ثم عزم فكسره ، فوجد عليه وفيه من الذهب واللآلئ والجواهر النفيسة ما ينيف على ما بذلوه بأضعاف مضاعفة ، مع ما ادخر الله تعالى له من الأجر الجزيل في الآخرة والثناء الجميل في الأولى ، فرحمه الله وأكرم مثواه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم السبت ثالث رمضان دخل جلال الدولة إلى بغداد فتلقاه الخليفة في دجلة في الطيار ، ومعه الأكابر والأعيان ، فلما واجه جلال الدولة قبل الأرض دفعات ، ثم سار إلى دار الملك ، وعاد الخليفة إلى داره ، وأمر جلال الدولة أن يضرب له الطبل في أوقات الصلوات الثلاث ، كما كان الأمر في زمن عضد الدولة وصمصامها وشرفها وبهائها ، وكان الخليفة يضرب له الطبل في أوقات الصلوات الخمس ، فأراد جلال الدولة ذلك ، فقيل : لا يحسن مساواة الخليفة . ثم صمم على ذلك في أوقات الصلوات الخمس .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 617 ] قال ابن الجوزي : وفيها وقع برد شديد حتى جمد الخل والنبيذ وأبوال الدواب والمياه الكبار وحافات دجلة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولم يحج في هذه السنة أحد من أهل المشرق .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية