الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ حزن ]

                                                          حزن : الحزن والحزن : نقيض الفرح ، وهو خلاف السرور . قال الأخفش : والمثالان يعتقبان هذا الضرب باطراد ، والجمع أحزان ، لا يكسر على غير ذلك ، وقد حزن ، بالكسر ، حزنا وتحازن وتحزن . ورجل حزنان ومحزان : شديد الحزن . وحزنه الأمر يحزنه حزنا وأحزنه ، فهو محزون ومحزن وحزين وحزن ; الأخيرة على النسب ، من قوم حزان وحزناء . الجوهري : حزنه لغة قريش ، وأحزنه لغة تميم ، وقد قرئ بهما . وفي الحديث : أنه كان إذا حزنه أمر صلى ; أي أوقعه في الحزن ، ويروى بالباء ، وقد تقدم في موضعه ، واحتزن وتحزن بمعنى ; قال العجاج :


                                                          بكيت والمحتزن البكي وإنما يأتي الصبا الصبي



                                                          وفلان يقرأ بالتحزين إذا أرق صوته . وقال سيبويه : أحزنه جعله حزينا ، وحزنه جعل فيه حزنا ، كأفتنه جعله فاتنا ، وفتنه جعل فيه فتنة . وعام الحزن : العام الذي ماتت فيه خديجة ، رضي الله عنها ، و أبو طالب فسماه رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، عام الحزن ; حكى ذلك ثعلب عن ابن الأعرابي ، قال : وماتا قبل الهجرة بثلاث سنين . الليث : للعرب في الحزن لغتان ، إذا فتحوا ثقلوا ، وإذا ضموا خففوا ; يقال : أصابه حزن شديد وحزن شديد ; أبو عمرو : إذا جاء الحزن منصوبا فتحوه ، وإذا جاء مرفوعا أو مكسورا ضموا الحاء كقول الله عز وجل : وابيضت عيناه من الحزن أي أنه في موضع خفض ، وقال في موضع آخر : تفيض من الدمع حزنا أي أنه في موضع نصب . وقال : ( أشكوا بثي وحزني إلى الله ) ضموا الحاء هاهنا ; قال : وفي استعمال الفعل منه لغتان : تقول حزنني يحزنني حزنا فأنا محزون ويقولون أحزنني فأنا محزن ، وهو محزن ، ويقولون : صوت محزن وأمر محزن ، ولا يقولون صوت حازن . وقال غيره : اللغة العالية حزنه يحزنه ، وأكثر القراء قرءوا : ولا يحزنك قولهم وكذلك قوله : قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون وأما الفعل اللازم فإنه يقال فيه حزن يحزن حزنا لا غير . أبو زيد : لا يقولون قد حزنه الأمر ، ويقولون يحزنه ؛ فإذا قالوا أفعله الله فهو بالألف . وفي حديث ابن عمر حين ذكر الغزو وذكر من يغزو ولا نية له فقال : إن الشيطان يحزنه ; أي يوسوس إليه ويندمه ويقول له لم تركت أهلك ومالك ؟ فيقع في الحزن ويبطل [ ص: 110 ] أجره . وقوله تعالى : وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن قالوا فيه : الحزن هم الغداء والعشاء ، وقيل : هو كل ما يحزن من حزن معاش أو حزن عذاب أو حزن موت ، فقد أذهب الله عن أهل الجنة كل الأحزان . والحزانة بالضم والتخفيف : عيال الرجل الذين يتحزن بأمرهم ولهم . الليث : يقول الرجل لصاحبه كيف حشمك وحزانتك ; أي كيف من تتحزن بأمرهم . وفي قلبه عليك حزانة أي فتنة ; قال : وتسمى سفنجقانية العرب على العجم في أول قدومهم الذي استحقوا به من الدور والضياع ما استحقوا حزانة . قال ابن سيده : والحزانة قدمة العرب على العجم في أول قدومهم الذي استحقوا به ما استحقوا من الدور والضياع ; قال الأزهري : وهذا كله بتخفيف الزاي على فعالة . والسفنجقانية : شرط كان للعرب على العجم بخراسان إذا أخذوا بلدا صلحا أن يكونوا إذا مر بهم الجيوش أفذاذا أو جماعات أن ينزلوهم ويقروهم ، ثم يزودوهم إلى ناحية أخرى . والحزن : بلاد للعرب . قال ابن سيده : والحزن ما غلظ من الأرض ، والجمع حزون وفيها حزونة ; وقوله :


                                                          الحزن بابا والعقور كلبا



                                                          أجرى فيه الاسم مجرى الصفة ، لأن قوله الحزن بابا بمنزلة قوله الوعر بابا والممتنع بابا . وقد حزن المكان حزونة ، جاءوا به على بناء ضده وهو قولهم : مكان سهل وقد سهل سهولة . وفي حديث ابن المسيب : أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أراد أن يغير اسم جده حزن ويسميه سهلا فأبى ، وقال : لا أغير اسما سماني به أبي ، قال : فما زالت فينا تلك الحزونة بعد . والحزن : المكان الغليظ ، وهو الخشن . والحزونة : الخشونة ومنه حديث المغيرة : محزون اللهزمة أي خشنها ، أو أن لهزمته تدلت من الكآبة . ومنه حديث الشعبي : أحزن بنا المنزل أي صار ذا حزونة كأخصب وأجدب ، ويجوز أن يكون من قولهم أحزن وأسهل إذا ركب الحزن والسهل ، كأن المنزل أركبهم الحزونة حيث نزلوا فيه . قال أبو حنيفة : الحزن حزن بني يربوع ، وهو قف غليظ مسير ثلاث ليال في مثلها ، وهي بعيدة من المياه فليس ترعاها الشاء ولا الحمر ، فليس فيها دمن ولا أرواث . وبعير حزني : يرعى الحزن من الأرض . والحزنة : لغة في الحزن ; وقول أبي ذؤيب يصف مطرا :


                                                          فحط ، من الحزن ، المغفرا     ت ، والطير تلثق حتى تصيحا



                                                          قال الأصمعي : الحزن الجبال الغلاظ الواحدة حزنة مثل صبرة وصبر ، والمغفرات : ذوات الأغفار ، والغفر : ولد الأروية ، والمغفرات مفعول بحط ، ومن رواه فأنزل من حزن المغفرات حذف التنوين لالتقاء الساكنين ، وتلثق حتى تصيحا أي مما بها من الماء ; ومثله قول المتنخل الهذلي :


                                                          وأكسو الحلة الشوكاء خدني     وبعض الخير في حزن وراط



                                                          والحزن من الدواب : ما خشن ، صفة ، والأنثى حزنة ; والحزن : قبيلة من غسان وهم الذين ذكرهم الأخطل في قوله :


                                                          تسأله الصبر من غسان ، إذ حضروا     والحزن : كيف قراك الغلمة الجشر ؟



                                                          وأورده الجوهري : كيف قراه الغلمة الجشر ; قال ابن بري : الصواب كيف قراك كما أورده غيره أي الصبر تسأل عمير بن الحباب ، وكان قد قتل ، فتقول له بعد موته : كيف قراك الغلمة الجشر ، وإنما قالوا له ذلك لأنه كان يقول لهم : إنما أنتم جشر ، والجشر : الذين يبيتون مع إبلهم في موضع رعيها ولا يرجعون إلى بيوتهم . والحزن : بلاد بني يربوع ; عن ابن الأعرابي ; وأنشد :


                                                          وما لي ذنب ، إن جنوب تنفست     بنفحة حزني من النبت أخضرا



                                                          قال هذا رجل اتهم بسرق بعير فقال : ليس هو عندي إنما نزع إلى الحزن الذي هو هذا البلد ، يقول : جاءت الجنوب بريح البقل فنزع إليها ; والحزن في قول الأعشى :


                                                          ما روضة ، من رياض الحزن ، معشبة     خضراء جاد عليها مسبل هطل



                                                          موضع معروف كانت ترعى فيه إبل الملوك ، وهو من أرض بني أسد . قال الأزهري : في بلاد العرب حزنان : أحدهما حزن بني يربوع ، وهو مربع من مرابع العرب فيه رياض وقيعان ، وكانت العرب تقول من تربع الحزن وتشتى الصمان وتقيظ الشرف فقد أخصب ، والحزن الآخر ما بين زبالة فما فوق ذلك مصعدا في بلاد نجد ، وفيه غلظ وارتفاع ، وكان أبو عمرو يقول : الحزن والحزم الغليظ من الأرض ، وقال غيره : الحزم من الأرض ما احتزم من السيل من نجوات المتون ، والظهور والجمع الحزوم . والحزن : ما غلظ من الأرض في ارتفاع ، وقد ذكر الحزم في مكانه . قال ابن شميل : أول حزون الأرض قفافها وجبالها وقواقيها وخشنها ورضمها ، ولا تعد أرض طيبة ، وإن جلدت ، حزنا ، وجمعها حزون ، قال : ويقال حزنة وحزن . وأحزن الرجل إذا صار في الحزن . قال : ويقال للحزن حزن لغتان ; وأنشد قولابن مقبل :


                                                              مرابعه الحمر من صاحة
                                                          ومصطافه في الوعول الحزن



                                                          الحزن : جمع حزن . وحزن : جبل ; وروي بيت أبي ذؤيب المتقدم :


                                                          فأنزل من حزن المغفرات



                                                          ورواه بعضهم من حزن ، بضم الحاء والزاي . والحزون : الشاة السيئة الخلق . والحزين : اسم شاعر ، وهو الحزين الكناني ، واسمه عمرو بن عبد وهيب ، وهو القائل في عبد الله بن عبد الملك ووفد إليه إلى مصر وهو واليها يمدحه في أبيات من جملتها :


                                                          لما وقفت عليهم في الجموع ضحى     وقد تعرضت الحجاب والخدم
                                                          حييته بسلام وهو مرتفق     وضجة القوم عند الباب تزدحم
                                                          في كفه حيزران ريحه عبق [ ص: 111 ]     في كف أروع في عرنينه شمم
                                                          يغضي حياء ويغضى من مهابته     فما يكلم إلا حين يبتسم



                                                          وهو القائل أيضا يهجو إنسانا بالبخل :


                                                          كأنما خلقت كفاه من حجر     فليس بين يديه والندى عمل
                                                          يرى التيمم في بر وفي بحر     مخافة أن يرى في كفه بلل



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية