الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ حسر ]

                                                          حسر : الحسر كشطك الشيء عن الشيء . حسر الشيء عن الشيء يحسره ويحسره حسرا وحسورا فانحسر : كشطه ، وقد يجيء في الشعر حسر لازما مثل انحسر على المضارعة . والحاسر : خلاف الدارع . والحاسر : الذي لا بيضة على رأسه ; قال الأعشى :


                                                          في فيلق جأواء ملمومة تقذف بالدارع والحاسر



                                                          ويروى : تعصف ; والجمع حسر ، وجمع بعض الشعراء حسرا على حسرين ; أنشد ابن الأعرابي :


                                                          بشهباء تنفي الحسرين كأنها     إذا ما بدت قرن من الشمس طالع



                                                          ويقال للرجالة في الحرب : الحسر ، وذلك أنهم يحسرون عن أيديهم وأرجلهم ، وقيل : سموا حسرا لأنه لا دروع عليهم ولا بيض . وفي حديث فتح مكة : أن أبا عبيدة كان يوم الفتح على الحسر ; هم الرجالة ، وقيل هم الذين لا دروع لهم . ورجل حاسر : لا عمامة على رأسه . وامرأة حاسر ، بغير هاء ، إذا حسرت عنها ثيابها . ورجل حاسر : لا درع عليه ولا بيضة على رأسه . وفي الحديث : فحسر عن ذراعيه ; أي أخرجهما من كميه . وفي حديث عائشة ، رضي الله عنها : وسئلت عن امرأة طلقها زوجها وتزوجها رجل فتحسرت بين يديه ; أي قعدت حاسرة مكشوفة الوجه . ابن سيده : امرأة حاسر حسرت عنها درعها . وكل مكشوفة الرأس والذراعين : حاسر ، والجمع حسر وحواسر ; قال أبو ذؤيب :


                                                          وقام بناتي بالنعال حواسرا     فألصقن وقع السبت تحت القلائد



                                                          ويقال : حسر عن ذراعيه ، وحسر البيضة عن رأسه وحسرت الريح السحاب حسرا . الجوهري : الانحسار الانكشاف . حسرت كمي عن ذراعي أحسره حسرا : كشفت . والحسر والحسر والحسور : الإعياء والتعب . حسرت الدابة والناقة حسرا واستحسرت : أعيت وكلت ، يتعدى ولا يتعدى ; وحسرها السير يحسرها ويحسرها حسرا وحسورا وأحسرها وحسرها ; قال :


                                                          إلا كمعرض المحسر بكره     عمدا يسيبني على الظلم



                                                          أراد إلا معرضا فزاد الكاف ; ودابة حاسر وحاسرة وحسير ، الذكر والأنثى سواء ، والجمع حسرى مثل قتيل وقتلى . وأحسر القوم : نزل بهم الحسر . أبو الهيثم : حسرت الدابة حسرا إذا تعبت حتى تنقى ، واستحسرت إذا أعيت . قال الله تعالى : ولا يستحسرون . وفي الحديث : ادعوا الله ، عز وجل ، ولا تستحسروا ; أي لا تملوا ; قال : وهو استفعال من حسر إذا أعيا وتعب . وفي حديث جرير : ولا يحسر صائحها ; أي لا يتعب سائقها . وفي الحديث : الحسير لا يعقر ; أي لا يجوز للغازي إذا حسرت دابته وأعيت أن يعقرها ، مخافة أن يأخذها العدو ولكن يسيبها ، قال : ويكون لازما ومتعديا . وفي الحديث : حسر أخي فرسا له ; يعني النمر وهو مع خالد بن الوليد . ويقال فيه : أحسر أيضا . وحسرت العين : كلت . وحسرها بعد ما حدقت إليه أو خفاؤه يحسرها : أكلها ; قال رؤبة :


                                                          يحسر طرف عينه فضاؤه



                                                          وحسر بصره يحسر حسورا أي كل وانقطع نظره من طول مدى وما أشبه ذلك ، فهو حسير ومحسور ; قال قيس بن خويلد الهذلي يصف ناقة :


                                                          إن العسير بها داء مخامرها     فشطرها نظر العينين محسور



                                                          العسير : الناقة التي لم ترض ، ونصب شطرها على الظرف ; أي نحوها . وبصر حسير : كليل . وفي التنزيل : ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير قال الفراء : يريد ينقلب صاغرا وهو حسير أي كليل كما تحسر الإبل إذا قومت عن هزال وكلال ; وكذلك قوله ، عز وجل : ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا قال : نهاه أن يعطي كل ما عنده حتى يبقى محسورا لا شيء عنده ; قال : والعرب تقول حسرت الدابة إذا سيرتها حتى ينقطع سيرها ; وأما البصر فإنه يحسر عند أقصى بلوغ النظر ; وحسر يحسر حسرا وحسرة وحسرانا ؛ فهو حسير وحسران إذا اشتدت ندامته على أمر فاته ; وقال المرار :


                                                          ما أنا اليوم على شيء خلا     يا ابنة القين ، تولى بحسر



                                                          والتحسر : التلهف . وقال أبو إسحاق في قوله ، عز وجل : ياحسرة على العباد ما يأتيهم من رسول قال : هذا أصعب مسألة في القرآن إذا قال القائل : ما الفائدة في مناداة الحسرة ، والحسرة مما لا يجيب ؟ قال : والفائدة في مناداتها كالفائدة في مناداة ما يعقل لأن النداء باب تنبيه ، إذا قلت يا زيد فإن لم تكن دعوته لتخاطبه بغير النداء فلا معنى للكلام ؛ وإنما تقول يا زيد لتنبهه بالنداء ، ثم تقول : فعلت كذا ؛ ألا ترى أنك إذا قلت لمن هو مقبل عليك : يا زيد ، ما أحسن ما صنعت فهو أوكد من أن تقول له : ما أحسن ما صنعت ، بغير نداء ; وكذلك إذا قلت للمخاطب : أنا أعجب مما فعلت ، فقد أفدته أنك متعجب ، ولو قلت : واعجباه مما فعلت ، ويا عجباه أن تفعل كذا ! كان دعاؤك العجب أبلغ في الفائدة ، والمعنى يا عجبا أقبل فإنه من أوقاتك ؛ وإنما النداء تنبيه للمتعجب منه لا للعجب . والحسرة : أشد الندم حتى يبقى النادم كالحسير من الدواب الذي لا منفعة فيه . وقال ، عز وجل : فلا تذهب نفسك عليهم حسرات أي حسرة وتحسرا . [ ص: 117 ] وحسر البحر عن العراق والساحل يحسر : نضب عنه حتى بدا ما تحت الماء من الأرض . قال الأزهري : ولا يقال انحسر البحر . وفي الحديث : ( لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب ) أي يكشف . يقال : حسرت العمامة عن رأسي والثوب عن بدني ; أي كشفتهما ; وأنشد :


                                                          حتى يقال حاسر وما حسر



                                                          وقال ابن السكيت : حسر الماء ونضب وجزر بمعنى واحد ; وأنشد أبو عبيد في الحسور بمعنى الانكشاف :


                                                          إذا ما القلاسي والعمائم أخنست     ففيهن عن صلع الرجال حسور



                                                          قال الأزهري : وقول العجاج :


                                                          كجمل البحر إذا خاض جسر


                                                          غوارب اليم إذا اليم هدر


                                                          حتى يقال : حاسر وما حسر



                                                          يعني اليم . يقال : حاسر إذا جزر ، وقوله إذا خاض جسر ، بالجيم ، أي اجترأ ، وخاض معظم البحر ولم تهله اللجج . وفي حديث يحيى بن عباد : ما من ليلة إلا ملك يحسر عن دواب الغزاة الكلال أي يكشف ، ويروى : يحس ، وسيأتي ذكره . وفي حديث علي ، رضوان الله عليه : ابنوا المساجد حسرا فإن ذلك سيما المسلمين ; أي مكشوفة الجدر لا شرف لها ، ومثله حديث أنس ، رضي الله عنه : ابنوا المساجد جما . وفي حديث جابر : فأخذت حجرا فكسرته وحسرته ; يريد غصنا من أغصان الشجرة أي قشرته بالحجر . وقال الأزهري في ترجمة عرا ، عند قوله جارية حسنة المعرى والجمع المعاري ، قال : والمحاسر من المرأة مثل المعاري . قال : وفلاة عارية المحاسر إذا لم يكن فيها كن من شجر ، ومحاسرها : متونها التي تنحسر عن النبات . وانحسرت الطير : خرجت من الريش العتيق إلى الحديث . وحسرها إبان ذلك : ثقلها لأنه فعل في مهلة . قال الأزهري : والبازي يكرز للتحسير ، وكذلك سائر الجوارح تتحسر . وتحسر الوبر عن البعير والشعر عن الحمار إذا سقط ; ومنه قوله :


                                                          تحسرت عقة عنه فأنسلها     واجتاب أخرى حديدا بعدما ابتقلا



                                                          وتحسرت الناقة والجارية إذا صار لحمها في مواضعه ; قال لبيد :


                                                          فإذا تغالى لحمها وتحسرت     وتقطعت ، بعد الكلال ، خدامها



                                                          قال الأزهري : وتحسر لحم البعير أن يكون للبعير سمنة حتى كثر شحمه وتمك سنامه ، فإذا ركب أياما فذهب رهل لحمه واشتد بعدما تزيم منه في مواضعه ، فقد تحسر . ورجل محسر : مؤذى محتقر . الحديث : يخرج في آخر الزمان رجل يسمى أمير العصب ، وقال بعضهم : يسمى أمير الغضب ، أصحابه محسرون محقرون مقصون عن أبواب السلطان ومجالس الملوك ، يأتونه من كل أوب كأنهم قزع الخريف يورثهم الله مشارق الأرض ومغاربها ; محسرون محقرون أي مؤذون محمولون على الحسرة ، أو مطرودون متعبون من حسر الدابة إذا أتعبها . أبو زيد : فحل حاسر وفادر وجافر إذا ألقح شوله فعدل عنها وتركها ; قال أبو منصور : روي هذا الحرف فحل جاسر ، بالجيم ، أي فادر ، قال : وأظنه الصواب . والمحسرة : المكنسة . وحسروه يحسرونه حسرا وحسرا : سألوه فأعطاهم حتى لم يبق عنده شيء . والحسار : نبات ينبت في القيعان والجلد ، وله سنبل وهو من دق المريق ، وقفه خير من رطبه ، وهو يستقل عن الأرض شيئا قليلا يشبه الزباد إلا أنه أضخم منه ورقا ; وقال أبو حنيفة : الحسار عشبة خضراء تسطح على الأرض وتأكلها الماشية أكلا شديدا ; قال الشاعر يصف حمارا وأتنه :


                                                          يأكلن من بهمى ومن حسار     ونفلا ليس بذي آثار



                                                          يقول : هذا المكان قفر ليس به آثار من الناس ولا المواشي . قال : وأخبرني بعض أعراب كلب أن الحسار شبيه بالحرف في نباته وطعمه ينبت حبالا على الأرض ; قال : وزعم بعض الرواة أنه شبيه بنبات الجزر . الليث : الحسار ضرب من النبات يسلح الإبل . الأزهري : الحسار من العشب ينبت في الرياض ، الواحدة حسارة . قال : ورجل الغراب نبت آخر ، والتأويل عشب آخر . وفلان كريم المحسر أي كريم المخبر . وبطن محسر ، بكسر السين : موضع بمنى ، وقد تكرر في الحديث ذكره ، وهو بضم الميم وفتح الحاء وكسر السين ، وقيل : هو واد بين عرفات ومنى .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية