الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الرهن الصغير .

( أخبرنا الربيع بن سليمان ) قال أخبرنا الشافعي رحمه الله قال أصل إجازة الرهن في كتاب الله - عز وجل - { وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة } ( قال الشافعي ) : فالسنة تدل على إجازة الرهن [ ص: 190 ] ولا أعلم مخالفا في إجازته . أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا يغلق الرهن الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه } .

( قال الشافعي ) : فالحديث جملة على الرهن ، ولم يخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا رهنا دون رهن واسم الرهن يقع على ما ظهر هلاكه وخفي ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم - والله تعالى أعلم - { لا يغلق الرهن بشيء } أي إن ذهب لم يذهب بشيء ، وإن أراد صاحبه افتكاكه ، ولا يغلق في يدي الذي هو في يديه كأن يقول المرتهن قد أوصلته إلي فهو لي بما أعطيتك فيه ، ولا يغير ذلك من شرط تشارطا فيه ، ولا غيره ، والرهن للراهن أبدا حتى يخرجه من ملكه بوجه يصح إخراجه له .

والدليل على هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { الرهن من صاحبه الذي رهنه } ثم بينه وأكده فقال { له غنمه وعليه غرمه } .

( قال الشافعي ) : وغنمه سلامته وزيادته وغرمه عطبه ونقصه .

( قال ) : ولو كان إذا رهن رهنا بدرهم وهو يسوى درهما فهلك ذهب الدرهم فلم يلزم الراهن كان إنما هلك من مال المرتهن لا مال الراهن ; لأن الراهن قد أخذ درهما وذلك ثمن رهنه فإذا هلك رهنه فلم يرجع المرتهن بشيء فلم يغرم شيئا إنما ذهب له مثل الذي أخذ من مال غيره فغرمه حينئذ على المرتهن لا على الراهن .

قال : وإذا كان غرمه على المرتهن فهو من المرتهن لا من الراهن وهذا القول خلاف ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

( قال الشافعي ) : فلا أعلم بين أحد من أهل العلم خلافا في أن الرهن ملك للراهن وأنه إن أراد إخراجه من يدي المرتهن لم يكن ذلك له بما شرط فيه وأنه مأخوذ بنفقته ما كان حيا وهو مقره في يدي المرتهن ومأخوذ بكفنه إن مات ; لأنه ملكه .

( قال الشافعي ) : وإذا كان الرهن في السنة ، وإجماع العلماء ملكا للراهن فكان الراهن دفعه لا مغصوبا عليه ، ولا بائعا له ، وكان الراهن إن أراد أخذه لم يكن له وحكم عليه بإقراره في يدي المرتهن بالشرط فأي وجه لضمان المرتهن والحاكم يحكم له بحبسه للحق الذي شرط له مالكه فيه وعلى مالكه نفقته ، وإنما يضمن من تعدى فأخذ ما ليس له أو منع شيئا في يديه ملكه لغيره مما ملكه المالك غيره مما عليه تسليمه ، وليس له حبسه .

وذلك مثل أن يبتاع الرجل العبد من الرجل فيدفع إليه ثمنه ويمنعه البائع العبد فهذا يشبه الغصب ، والمرتهن ليس في شيء من هذه المعاني لا هو مالك للرهن فأوجب عليه فيه بيعا فمنعه من ملكه إياه وعليه تسليمه إليه ، وإنما ملك الرهن للراهن فلا هو متعد بأخذ الرهن من الراهن ، ولا بمنعه إياه فلا موضع للضمان عليه في شيء من حالاته إنما هو رجل اشترط لنفسه على مالك الرهن في الرهن شرطا حلالا لازما استوثق فيه من حقه طلب المنفعة لنفسه والاحتياط على غريمه لا مخاطرا بالارتهان ; لأنه لو كان الرهن إذا هلك هلك حقه كان ارتهانه مخاطرة إن سلم الرهن فحقه فيه ، وإن تلف تلف حقه .

ولو كان هكذا كان شرا للمرتهن في بعض حالاته ; لأن حقه إذا كان في ذمة الراهن وفي جميع ماله لازما أبدا كان خيرا له من أن يكون في شيء من ماله بقدر حقه فإن هلك ذلك الشيء بعينه هلك من المرتهن وبرئت ذمة الراهن قال ، ولم نر ذمة رجل تبرأ إلا بأن يؤدي إلى غريمه ما له عليه أو عوضا منه يتراضيان عليه فيملك الغريم العوض ويبرأ به غريمه وينقطع مالكه عنه أو يتطوع صاحب الحق بأن يبرئ منه صاحبه والمرتهن والراهن ليسا في واحد من معاني البراءة ، ولا البواء .

( قال الشافعي ) : فإن قال قائل : ألا ترى أن أخذ المرتهن الرهن كالاستيفاء لحقه قلت لو كان استيفاء لحقه ، وكان الرهن جارية كان قد ملكها وحل له وطؤها ، ولم يكن له ردها على الراهن ، ولا عليه ، ولو أعطاه ما فيه إلا أن يتراضيا بأن يتبايعا فيها بيعا جديدا ، ولم يكن مع هذا للمرتهن أن يكون حقه إلى سنة فيأخذه اليوم بلا رضا من الذي عليه الحق قال ما هو باستيفاء .

ولكن كيف ؟ قلت [ ص: 191 ] إنه محتبس في يدي المرتهن بحق له ، ولا ضمان عليه فيه ؟ . فقيل له بالخبر ، وكما يكون المنزل محتبسا بإجارة فيه ثم يتلف المنزل بهدم أو غيره من وجوه التلف فلا ضمان على المكتري فيه ، وإن كان المكتري سلف الكراء رجع به على صاحب المنزل ، وكما يكون العبد مؤجرا أو البعير مكرى فيكون محتبسا بالشرط ، ولا ضمان في واحد منهما ، ولا في حر لو كان مؤجرا فهلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية