الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        كتاب العتق

                                                                                                                                                                                        النسخ المقابل عليها

                                                                                                                                                                                        1 - (ف) نسخة فرنسا رقم (1071)

                                                                                                                                                                                        2 - (ح) نسخة الحسنية رقم (12929)

                                                                                                                                                                                        3 - (ر) نسخة الحمزوية رقم (110) [ ص: 3702 ]

                                                                                                                                                                                        [ ص: 3703 ] بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                        وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

                                                                                                                                                                                        كتاب العتق الأول

                                                                                                                                                                                        العتق من أعمال البر وأحد القرب لله تعالى ومندوب إليه بقوله تعالى : وافعلوا الخير لعلكم تفلحون [الحج : 77] ، وبقوله : فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة [البلد : 11 - 13] ، واقتحامها جوازها ، فأخبر الله تعالى أن العتق أحد ما يتسبب به إلى النجاة حينئذ ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أيما رجل أعتق امرءا مسلما استنقذ الله بكل عضو منه عضوا منه من النار" أخرجه البخاري ومسلم ، وزاد البخاري في كتاب النذور "حتى الفرج بالفرج" . وفي النسائي : "وأيما رجل مسلم أعتق امرأتين مسلمتين فهما فكاكه من النار عظمان منهما بعظم ، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة فهي فكاكها من النار عظما بعظم" . [ ص: 3704 ]

                                                                                                                                                                                        وظاهر الحديث في العضو بالعضو والفرج بالفرج أنه إذا كان المعتق ناقص عضو لم يستنقذ من المعتق ما قابل ذلك الناقص ، وأنه يصح أن يوجد الألم ببعض الجسم ويحجب عن بعضه ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود" وفي كتاب مسلم نحو هذا ، والذكران أفضل للحديث ، ويحتمل أن يكون ذلك لأن الغالب أن الطاعة فيهم أوجد . وفي الحديث قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اطلعت على النار فرأيت أكثر أهلها النساء" . ولأن الرجل إلى العتق أحوج والرق فيه أنكى ، وكثير من الإناث لا ترغب في العتق وإن أعتقت ضاعت ، وإذا تساووا في الذكورية أو غيرها فأعلاهما ثمنا أعظمهما أجرا ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد سئل : أي الرقاب أفضل؟ فقال : "أغلاها ثمنا ، وأنفسها عند أهلها" . [ ص: 3705 ]

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كان كافر أغلى ثمنا من مسلم ، فقال مالك عند ابن حبيب : هو أفضل ولا أبالي يهوديا كان أو نصرانيا أو ولد زنى ، وقال أصبغ : المسلم أفضل . وهو أبين ، قياسا على عتق الواجب في قوله تعالى : فتحرير رقبة مؤمنة [النساء : 92] ، ولأن الأجر ليس هو معلق بقدر الثمن خاصة دون ما يصرف فيه الثمن ، ولو كان ذلك لم يفرق بين صرفه في عتق أو صدقة ، والأجر يتفاضل بقدر ما يصرف ذلك المال فيه ، وإذا كان عتق الذكران أفضل كانت الأمة المسلمة أفضل من الكافر ، ولو كانا مسلمين وأقلهما ثمنا ذو دين وعفاف ، والآخر شرير فاسق ، لكان عتق ذي الدين أفضل ، وقد قيل في قول الله -عز وجل- : فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا [النور : 33] : إن الخير ها هنا هو الدين . [ ص: 3706 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية