الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما بيان ما يظهر به التدبير ، فالتدبير يظهر بما يظهر به الإعتاق البات وهو الإقرار والبينة ; لأنه إثبات حق الحرية في الحال فيعتبر الحق بالحقيقة وهو إثبات حقيقة الحرية بعد الموت ، فيعتبر بالإثبات بالحال ، وذا يظهر بأحد هذين فكذا هذا ، إذ عرف هذا فنقول : إذا ادعى المملوك التدبير وأنكر المولى فأقام البينة .

                                                                                                                                قبلت بينته بلا خلاف ، فإن لم يدع وأنكر التدبير مع المولى لا تقبل البينة على التدبير من غير دعوى العبد في قول أبي حنيفة .

                                                                                                                                وعندهما يقبل والحجج على نحو ما ذكرنا في الإعتاق البات إلا أن الشهادة على عتق الأمة تقبل من غير دعواه بالإجماع ، والشهادة على تدبير الأمة على الاختلاف ; لأن تدبير الأمة لا يوجب تحريم الفرج ، فلم تكن الشهادة قائمة على حق الله تعالى ، ولو شهدا أنه دبر أحد عبديه بغير عينه في الصحة فالشهادة باطلة في قول أبي حنيفة ; لأن المدعي مجهول ، وعندهما يقبل ، ولو شهدا أن ذلك كان في المرض يقبل عنده استحسانا ، والقياس أن لا يقبل وقد ذكرنا وجه القياس والاستحسان في كتاب العتاق ولو شهد أنه قال : هذا حر وهذا مدبر بعد موتي فقد صار مدبرا .

                                                                                                                                لم تجز شهادتهما في قول أبي حنيفة لجهالة المدعي ، ولو شهدا أنه قال : هذا حر بعد موتي لا بل هذا كانا جميعا مدبرين ويعتقان بعد موته من ثلثه ; لأنه لما قال : هذا حر بعد موتي .

                                                                                                                                فقد صار مدبرا ، فلما قال : لا بل هذا فقد رجع عن الأول وتدارك بالثاني ، ورجوعه لا يصح وتداركه صحيح ، كما إذا قال لإحدى امرأتيه : هذه طالق ، لا بل هذه ، ولو شهدا أنه قال : هذا حر ألبتة لا بل هذا مدبر .

                                                                                                                                جازت الشهادة لهما ; لأنه أعتق الأول ثم رجع وتدارك بالثاني فالرجوع لا يصح ويصح التدارك ، فصار الأول حرا والثاني مدبرا ، ولو شهد أحدهما أنه دبره وشهد الآخر أنه أعتقه ألبتة فالشهادة باطلة ; لأن كل واحد منهما شهد بغير ما شهد به الآخر لفظا ومعنى أما اللفظ فلا شك فيه ، وأما المعنى فلأن الإعتاق البات إثبات العتق بعد موت المولى ، وهما متغايران وليس على كل واحد منهما إلا شاهد واحد ، وكذلك لو شهدا بالتدبير واختلفا في شرطه ; لأنهما شهدا على شيئين مختلفين كما في الإعتاق البات ، والله عز وجل أعلم وهو الموفق .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية