الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ حصر ]

                                                          حصر : الحصر : ضرب من العي . حصر الرجل حصرا مثل تعب تعبا ، فهو حصر : عيي في منطقه ; وقيل : حصر لم يقدر على الكلام . وحصر صدره : ضاق . والحصر : ضيق الصدر . وإذا ضاق المرء عن أمر قيل : حصر صدر المرء عن أهله يحصر حصرا ; قال الله عز وجل : إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم معناه ضاقت صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم ; قال ابن سيده : وقيل تقديره وقد حصرت صدورهم ; وقيل : تقديره أو جاءوكم رجالا أو قوما فحصرت صدورهم الآن ، في موضع نصب ؛ لأنه صفة حلت محل موصوف منصوب على الحال ، وفيه بعض صنعة لإقامتك الصفة مقام الموصوف وهذا مما . . . وموضع الاضطرار أولى به من النثر وحال الاختيار . وكل من بعل بشيء أو ضاق صدره بأمر ، فقد حصر ; ومنه قول لبيد يصف نخلة طالت ، فحصر صدر صارم ثمرها حين نظر إلى أعاليها ، وضاق صدره أن رقي إليها لطولها :


                                                          أعرضت وانتصبت كجذع منيفة جرداء يحصر دونها صرامها



                                                          أي تضيق صدورهم بطول هذه النخلة ; وقال الفراء في قوله تعالى : أو جاءوكم حصرت صدورهم العرب تقول : أتاني فلان ذهب عقله ; يريدون قد ذهب عقله ; قال : وسمع الكسائي رجلا يقول : فأصبحت نظرت إلى ذات التنانير ; وقال الزجاج : جعل الفراء قوله ( حصرت ) حالا ولا يكون حالا إلا بقد ; قال : وقال بعضهم : حصرت صدورهم خبر بعد خبر كأنه قال أو جاءوكم ثم أخبر بعد ، قال : حصرت صدورهم أن يقاتلوكم ; وقال أحمد بن يحيى : إذا أضمرت قد قربت من الحال وصارت كالاسم ، وبها قرأ من قرأ حصرت صدورهم قال [ ص: 139 ] أبو زيد : ولا يكون جاءني القوم ضاقت صدورهم إلا أن تصله بواو أو بقد ، كأنك قلت : جاءني القوم وضاقت صدورهم أو قد ضاقت صدورهم ; قال الجوهري : وأما قوله : أو جاءوكم حصرت صدورهم فأجاز الأخفش والكوفيون أن يكون الماضي حالا ، ولم يجزه سيبويه إلا مع قد ، وجعل ( حصرت صدورهم ) على جهة الدعاء عليهم . وفي حديث زواج فاطمة رضوان الله عليها : فلما رأت عليا جالسا إلى جنب النبي ، صلى الله عليه وسلم ، حصرت وبكت ; أي استحت وانقطعت كأن الأمر ضاق بها كما يضيق الحبس على المحبوس . والحصور من الإبل : الضيقة الأحاليل ، وقد حصرت ، بالفتح ، وأحصرت ; ويقال للناقة : إنها لحصرة الشخب نشبة الدر ; والحصر : نشب الدرة في العروق من خبث النفس وكراهة الدرة ، وحصره يحصره حصرا ، فهو محصور وحصير ، وأحصره كلاهما : حبسه عن السفر . وأحصره المرض : منعه من السفر أو من حاجة يريدها ; قال الله ، عز وجل : فإن أحصرتم . وأحصرني بولي وأحصرني مرضي أي جعلني أحصر نفسي ; وقيل : حصرني الشيء وأحصرني أي حبسني . وحصره يحصره حصرا : ضيق عليه وأحاط به . والحصير : الملك ، سمي بذلك ؛ لأنه محصور أي محجوب ; قال لبيد :


                                                          وقماقم غلب الرقاب كأنهم     جن على باب الحصير قيام



                                                          الجوهري : ويروى : ومقامة غلب الرقاب على أن يكون غلب الرقاب بدلا من مقامة كأنه قال : ورب غلب الرقاب ، وروي : لدى طرف الحصير قيام ، والحصير : المحبس . وفي التنزيل : وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا وقال القتيبي : هو من حصرته أي حبسته ، فهو محصور . وهذا حصيره أي محبسه ، وحصره المرض : حبسه ، على المثل . وحصيرة التمر : الموضع الذي يحصر فيه ، وهو الجرين ، وذكره الأزهري بالضاد المعجمة ، وسيأتي ذكره . والحصار : المحبس كالحصير . والحصر والحصر : احتباس البطن . وقد حصر غائطه ، على ما لم يسم فاعله ، وأحصر . الأصمعي و اليزيدي : الحصر من الغائط ، والأسر من البول . الكسائي : حصر بغائطه وأحصر ، بضم الألف . ابن بزرج : يقال للذي به الحصر : محصور وقد حصر عليه بوله يحصر حصرا أشد الحصر ; وقد أخذه الحصر وأخذه الأسر شيء واحد ، وهو أن يمسك ببوله يحصر حصرا فلا يبول ; قال : ويقولون حصر عليه بوله وخلاؤه . ورجل حصر : كتوم للسر حابس له لا يبوح به ; قال جرير :


                                                          ولقد تسقطني الوشاة فصادفوا     حصرا بسرك ، يا أميم ، ضنينا



                                                          وهم ممن يفضلون الحصور الذي يكتم السر في نفسه ، وهو الحصر . والحصير والحصور : الممسك البخيل الضيق ; ورجل حصر بالعطاء ; وروي بيت الأخطل باللغتين جميعا :


                                                          وشارب مربح بالكاس نادمني     لا بالحصور ولا فيها بسوار



                                                          وحصر : بمعنى بخل . والحصور : الذي لا ينفق على الندامى . وفي حديث ابن عباس : ما رأيت أحدا أخلق للملك من معاوية ، كان الناس يردون منه أرجاء واد رحب ، ليس مثل الحصر العقص ; يعني ابن الزبير . الحصر : البخيل ، والعقص : الملتوي الصعب الأخلاق . ويقال : شرب القوم فحصر عليهم فلان ; أي بخل . وكل من امتنع من شيء لم يقدر عليه ، فقد حصر عنه ; ولهذا قيل : حصر في القراءة وحصر عن أهله . والحصور : الهيوب المحجم عن الشيء ، وعلى هذا فسر بعضهم بيت الأخطل : وشارب مربح . والحصور أيضا : الذي لا إربة له في النساء ، وكلاهما من ذلك أي من الإمساك والمنع . وفي التنزيل : وسيدا وحصورا قال ابن الأعرابي : هو الذي لا يشتهي النساء ولا يقربهن . الأزهري : رجل حصور إذا حصر عن النساء فلا يستطيعهن . والحصور : الذي لا يأتي النساء . وامرأة حصراء أي رتقاء . وفي حديث القبطي الذي أمر النبي ، صلى الله عليه وسلم ، عليا بقتله ، قال : فرفعت الريح ثوبه فإذا هو حصور ; هو الذي لا يأتي النساء ؛ لأنه حبس عن النكاح ومنع ، وهو فعول بمعنى مفعول ، وهو في هذا الحديث المجبوب الذكر والأنثيين ، وذلك أبلغ في الحصر لعدم آلة النكاح ، وأما العاقر فهو الذي يأتيهن ولا يولد له ، وكله من الحبس والاحتباس . ويقال : قوم محصرون إذا حوصروا في حصن ، وكذلك هم محصرون في الحج . قال الله ، عز وجل : فإن أحصرتم . والحصار : الموضع الذي يحصر فيه الإنسان ; تقول : حصروه حصرا وحاصروه ; وكذلك قول رؤبة :


                                                          مدحة محصور تشكى الحصرا



                                                          قال : يعني بالمحصور المحبوس . والإحصار : أن يحصر الحاج عن بلوغ المناسك بمرض أو نحوه . وفي حديث الحج : المحصر بمرض لا يحل حتى يطوف بالبيت ; هو من ذلك الإحصار المنع والحبس . قال الفراء : العرب تقول للذي يمنعه خوف أو مرض من الوصول إلى تمام حجه أو عمرته ، وكل ما لم يكن مقهورا كالحبس والسحر وأشباه ذلك ، يقال في المرض : قد أحصر ، وفي الحبس إذا حبسه سلطان أو قاهر مانع . قد حصر ، فهذا فرق بينهما ; ولو نويت بقهر السلطان أنها علة مانعة ولم تذهب إلى فعل الفاعل جاز لك أن تقول قد أحصر الرجل ، ولو قلت في أحصر من الوجع والمرض حصره ، أو الخوف جاز أن تقول حصر . وقوله ، عز وجل : وسيدا وحصورا يقال : إنه المحصر عن النساء لأنها علة فليس بمحبوس فعلى هذا فابن ، وقيل : سمي حصورا لأنه حبس عما يكون من الرجال . وحصرني الشيء وأحصرني : حبسني وأنشد لابن ميادة :


                                                          وما هجر ليلى أن تكون تباعدت     عليك ، ولا أن أحصرتك شغول



                                                          في باب فعل وأفعل . وروى الأزهري عن يونس أنه قال : إذا رد الرجل عن وجه يريده فقد أحصر ، وإذا حبس فقد حصر . أبو عبيدة : حصر الرجل في الحبس وأحصر في السفر من مرض أو انقطاع به . قال ابن السكيت : يقال أحصره المرض إذا منعه من السفر أو من حاجة يريدها ، وأحصره العدو إذا ضيق عليه فحصر أي ضاق صدره . الجوهري : [ ص: 140 ] وحصره العدو يحصرونه إذا ضيقوا عليه وأحاطوا به ، وحاصروه محاصرة وحصارا . وقال أبو إسحاق النحوي : الرواية عن أهل اللغة أن يقال للذي يمنعه الخوف والمرض أحصر ، قال : ويقال للمحبوس حصر ; وإنما كان ذلك كذلك لأن الرجل إذا امتنع من التصرف فقد حصر نفسه فكأن المرض أحبسه أي جعله يحبس نفسه ، وقولك حصرته إنما هو حبسته لا أنه أحبس نفسه فلا يجوز فيه أحصر ; قال الأزهري : وقد صحت الرواية عن ابن عباس أنه قال : لا حصر إلا حصر العدو ، فجعله بغير ألف جائزا بمعنى قول الله ، عز وجل : فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي قال : وقال الله عز وجل : وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا أي محبسا ومحصرا . ويقال : حصرت القوم في مدينة ، بغير ألف ، وقد أحصره المرض أي منعه من السفر . وأصل الحصر والإحصار : المنع ; وأحصره المرض . وحصر في الحبس : أقوى من أحصر لأن القرآن جاء بها . والحصير : الطريق والجمع حصر ، عن ابن الأعرابي ; وأنشد :


                                                          لما رأيت فجاج البيد قد وضحت     ولاح من نجد عادية حصر



                                                          نجد : جمع نجد كسحل وسحل . وعادية : قديمة . وحصر الشيء يحصره حصرا : استوعبه . والحصير : وجه الأرض ، والجمع أحصرة وحصر . والحصير : سفيفة تصنع من بردي وأسل ثم تفرش ، سمي بذلك ؛ لأنه يلي وجه الأرض ، وقيل : الحصير المنسوج ، سمي حصيرا لأنه حصرت طاقته بعضها مع بعض . والحصير : البارية . وفي الحديث : أفضل الجهاد وأكمله حج مبرور ثم لزوم الحصير ; وفي رواية أنه قال لأزواجه هذه ثم قال لزوم الحصر أي أنكن لا تعدن تخرجن من بيوتكن وتلزمن الحصر ; هو جمع الحصير الذي يبسط في البيوت ، وتضم الصاد وتسكن تخفيفا ; وقول أبي ذؤيب يصف ماء مزج به خمر :


                                                          تحدر عن شاهق كالحصي     ر مستقبل الريح ، والفيء قر



                                                          يقول : تنزل الماء من جبل شاهق له طرائق كشطب الحصير . والحصير : البساط الصغير من النبات . والحصير : الجنب ، والحصيران : الجنبان . الأزهري : الجنب يقال له الحصير لأن بعض الأضلاع محصور مع بعض ; وقيل : الحصير ما بين العرق الذي يظهر في جنب البعير والفرس معترضا فما فوقه إلى منقطع الجنب . والحصير : لحم ما بين الكتف إلى الخاصرة ; وأما قول الهذلي :

                                                          وقالوا : تركنا القوم قد حصروا به ، ولا غرو أن قد كان ثم لحيم

                                                          قالوا : معنى حصروا به أي أحاطوا به . وحصيرا السيف : جانباه . وحصيره : فرنده الذي تراه كأنه مدب النمل ; قال زهير :


                                                          برجم كوقع الهندوانيأخلص الص     ياقل منه عن حصير ورونق



                                                          وأرض محصورة ومنصورة ومضبوطة أي ممطورة . والحصار والمحصرة : حقيبة ; وقال الجوهري : وسادة تلقى على البعير ويرفع مؤخرها فتجعل كآخرة الرحل ويحشى مقدمها ، فيكون كقادمة الرحل ، وقيل : هو مركب يركب به الراضة ; وقيل : هو كساء يطرح على ظهره يكتفل به . وأحصرت الجمل وحصرته : جعلت له حصارا ، وهو كساء يجعل حول سنامه . وحصر البعير يحصره ويحصره حصرا واحتصره : شده بالحصار . والمحصرة : قتب صغير يحصر به البعير ويلقى عليه أداة الراكب . وفي حديث أبي بكر : أن سعدا الأسلمي قال : رأيته بالخذوات وقد حل سفرة معلقة في مؤخرة الحصار ; هو من ذلك . وفي حديث حذيفة : تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير أي تحيط بالقلوب ; يقال : حصر به القوم أي أطافوا ; وقيل : هو عرق يمتد معترضا على جنب الدابة إلى ناحية بطنها فشبه الفتن بذلك ; وقيل : هو ثوب مزخرف منقوش إذا نشر أخذ القلوب بحسن صنعته ، وكذلك الفتنة تزين وتزخرف للناس ، وعاقبة ذلك إلى غرور .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية