الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 226 ] القول في أحكام العبد قال أبو حامد في الرونق : يفارق العبد الحر في خمسين مسألة : لا جهاد عليه ، ولا تجب عليه الجمعة ، ولا تنعقد به ، ولا حج عليه ، ولا عمرة إلا بالنذر ، وعورة الأمة كعورة الرجل ، ويجوز النظر إلى وجهها لغير محرم ، ولا يكون شاهدا ، ولا ترجمانا ولا قائفا ، ولا قاسما ، ولا خارصا ، ولا مقوما ، ولا كاتبا للحاكم ، ولا أمينا للحاكم ولا قاضيا ولا يقلد أمرا عاما ولا يملك ولا يطأ بالتسري ولا تجب عليه الزكاة إلا زكاة الفطر ، ولا يعطى في الحج في الكفارات مالا ، ولا يأخذ من الزكاة والكفارة شيئا إلا سهم المكاتبين ، ولا يصوم غير الفرض إلا بإذن سيده ، ولا يلزم سيده إقراره بالمال ، ولا يكون وليا في النكاح ، ولا في قصاص ، ولا حد ، ولا يرث ، ولا يورث ، وحده النصف من حد الحر ، ولا يرجم في الزنا . وتجب في إتلافه قيمته ، وما نقص منه بقيمة ، ولا يتحمل الدية ، ولا يتحمل عنه ، ولا تتحمل العاقلة قيمته ، ولا يتزوج بامرأتين ، سواء كانتا حرتين أم أمتين ، وطلاقه اثنتان .

                وعدة الأمة قرءان ولا لعان بينها وبين سيدها في أحد القولين ، ولا ينفى في الزنا في أحد القولين ، ولا يقتل به الحر ، ولا من فيه بعض الحرية ، ولا يؤدى به فروض الكفارة ولا يتزوج بنفسه ويكره على التزويج ، وقسم الأمة على النصف من قسم الحرة ، ولا يحد قاذفه ، ولا يسهم له من الغنيمة ، ويأخذ اللقطة على حكم سيده ، ولا يكون وصيا ، ولا تصح كفالته إلا بإذن سيده ، ويجعل صداقا ويجعل نذرا ، ويكون رهنا . انتهى .

                قلت : لقد جمع أبو حامد فأحسن ، وبقي عليه أشياء ، أذكرها بعد أن أتكلم على ما ذكره .

                فقوله : ولا حج ، ولا عمرة إلا بالنذر ، فيه أمران : أحدهما : أنه لا يلزمه الحج والعمرة بغير طريق النذر وهو الإفساد ، إذا أحرم ثم جامع فإنه يلزمه القضاء على المذهب ، وبه قطع جماهير الأصحاب ; لأنه مكلف ، وهل يجزيه في حال رقه ؟ قولان أصحهما : نعم .

                والأمر الثاني : إذا لزمه ذلك بالنذر ، فهل يصح منه في حال رقه ؟ قال الروياني : فيه وجهان . كما في قضاء الحجة التي أفسدها . كذا في شرح المهذب عنه .

                وصرح في زوائد الروضة بتصحيح الإجزاء . وقوله : وعورة الأمة كعورة الرجل ، هو الأصح . وفي وجه : أنها كالحرة ، إلا الرأس ، وفي آخر : إلا الرأس والساق . وفي ثالث : إلا ما يبدو في حال الخدمة ، وهما المذكوران ، والرقبة ، والساعد .

                [ ص: 227 ] وقوله : ويجوز النظر إلى وجهها ، هو وجه صححه الرافعي ، وصحح النووي أنها في ذلك كالحرة .

                وقوله : ولا يكون شاهدا . استثني منه صورتان على رأي ضعيف .

                الأولى : هلال رمضان إذا اكتفينا فيه بواحد . في جواز كونه عبدا وجهان أصحهما : المنع .

                والثانية : إسماع القاضي الأصم إذا لم يشترط فيه العدد في جواز كون المسمع عبدا : وجهان ، كالهلال : أصحهما المنع .

                وقوله : ولا قائفا ، هو الأصح وفيه وجه .

                وقوله : ولا كاتبا لحاكم ، هو الصحيح . وقال القفال في شرح التخليص : يجوز كونه كاتبا ; لأن الكتابة لا يتعلق بها حكم ; لأن القاضي لا يمضي ما كتبه حتى يقف عليه ، والمعتمد إنما هو شهادة الشهود الذين يشهدون بما تضمنه المكتوب .

                وقوله : ولا يملك ، هو الأظهر وفي قول قديم : أنه يملك بتمليك السيد ملكا ضعيفا . للسيد الرجوع فيه متى شاء وفي احتياجه إلى القبول وجهان ، بناء على إجباره في النكاح .

                قال الرافعي : ولا يجري الخلاف في تمليك الأجنبي . وفي المطلب : أن جماعة أجروه فيه منهم القاضي حسين والماوردي .

                وقوله : ولا تجب عليه الزكاة إلا زكاة الفطر إن أراد الوجوب بسببه ، فيجب فيه زكاة التجارة أيضا ، وإن أراد أن الوجوب يلاقيه ، وهو مبني على الخلاف في زكاة الفطر هل الوجوب يلاقي المؤدى عنه ثم يتحملها المؤدي ، أو لا ؟ فيه قولان : أصحهما الأول . قال : وتظهر فائدته فيما إذا لم يخرج السيد عنه ثم عتق ، هل يخرج ما مضى ؟

                قوله : ولا يورث ، قد يستثنى منه مسألة وهو ما لو وجب له تعزير بقذف ومات ، فإن الأصح أن حقه ينتقل إلى سيده ; لأنها عقوبة وجبت بالقذف ، فلم تسقط بالموت كالحد . قال الأصحاب : وليس ذلك على سبيل الإرث ولكنه أخص الناس به .

                فما ثبت له في حياته يكون لسيده بعد موته بحق المال وفي وجه : يستوفيه أقاربه ; لأن العار يعود عليهم .

                وفي ثالث : يستوفيه السلطان ، كحر لا وارث له .

                وفي رابع : يسقط فعلى هذا يفارق الحر .

                قوله : ولا تتحمل العاقلة قيمته هو قول ، والأظهر خلافه وعلى الأول لا يجري فيه القسامة وتجري على الثاني .

                وعجبت لأبي حامد ، كيف جزم بذلك القول ، ولم يذكر مسألة القسامة ؟ ، . قوله : وطلاقه ، اثنتان .

                [ ص: 228 ] قوله : وعدة الأمة قرءان ، بقي عليه ذات الأشهر ولها شهر ونصف في الأظهر .

                والثاني : شهران . والثالث : ثلاثة كالحرة ، والمتوفى عنها ولها شهران وخمسة أيام . قوله : ولا لعان بينها وبين سيدها في أحد القولين وهو الأظهر .

                قوله : ولا ينفى في الزنا في أحد القولين ، والأظهر أنه ينفى نصف سنة ، وفي قول : سنة ، كالحر .

                قوله : ويكره على التزويج هو في الأمة كذلك ، وفي العبد قول ، والأظهر أنه لا يجبر سواء كان كبيرا أو صغيرا .

                قال ابن الرفعة : القياس أن إحرام السيد عن عبده كتزويجه .

                قوله : ولا يسهم له من الغنيمة ، هذا إن كان في المقاتلة حر ، فإن كانوا كلهم عبيدا فأوجه ، أصحها يقسم بينهم أربعة أخماس ما غنموه كما يقسم الرضخ على ما يقتضيه الرأي من تسوية وتفضيل .

                والثاني : يقسم كالغنيمة .

                والثالث يرضخ لهم منه ويجعل الباقي لبيت المال .

                قوله : ويأخذ اللقطة ، الأظهر أنه لا يصح التقاطه ولا يعتد بتعريفه .

                قوله : ولا تصح كفالته إلا بإذن سيده كذلك ضمانه .

                هذا ما يتعلق بما ذكره . وبقي عليه أنه لا يؤذن لجماعة ولا يحضرها إلا بإذن سيده ، ذكر الأول في شرح المهذب والثاني : القاضي حسين ، والحر أولى منه في الأذان كما في شرح المهذب .

                والإمامة والجنازة ونذره للحج صحيح بلا إذن كما في الروضة وأصلها ، وللصلاة والصوم ، قال في الجواهر : ينبغي صحتها .

                وللقرب المالية في الذمة . قال في الكفاية : كضمانه فيتوقف على الإذن ، ولا يصح منه بيع ولا غيره من العقود إلا بإذن السيد ولا يكون وكيلا في إيجاب النكاح ولا عاملا في الزكاة ، إلا إذا عين له الإمام قوما يأخذ منهم قدرا معينا وهل يعطى حينئذ من سهم العاملين ؟

                وفي استحقاقه : سلب القتيل الذي يقتله وجهان : أصحهما نعم .

                وفي قبول الوصية والهبة وتملك المباحات بلا إذن ، وجهان .

                ولا جزية عليه ولا فطرة عن امرأته ، بل تجب على سيدها إن كانت أمة ، ونفقته نفقة المعسرين ولا تنكح الأمة إلا بشروط ولا على الحرة ولا تخدم وإن كانت جميلة في الأصح لنقص الرق .

                فإذا نكحها العبد على الحرة ، ففي استحقاقها السبع والثلاث وجهان : أصحهما نعم [ ص: 229 ] كالحرة ; لأنه شرع لارتفاع الحشمة وحصول المباسطة ، وهو يتعلق بالطبع فلا يختلف بالرق والحرية .

                ففي وجه : تستحق الشطر كالقسم ، وفي وجه يكمل المنكسر كالأقراء والطلاق والأشبه لا ; لأن التنصيف فيه ممكن .

                ولا تصير الأمة فراشا . بمجرد الملك حتى توطأ ، وتصير الحرة فراشا بمجرد العقد . وإذا زوجها السيد استخدمها نهارا وسلمها للزوج ليلا ، ولا نفقة على الزوج حينئذ في الأصح ويسافر بها السيد بدون إذنه .

                ويضمن العبد باليد ويقطع سارقه ويضمن منافعه بالفوات بخلاف الحر في الثلاث ويصح وقفه ، ولا يصح وقف الحر نفسه ، ولا تصح وصيته وقيل إن عتق ثم مات صحت .

                ولا يصح الوقوف عليه . لنفسه ولا الإيصاء له ، ولا توطأ الأمة بمجرد الملك حتى تستبرأ وتوطأ الحرة بمجرد العقد ويحصل استبراؤها بوضع حمل زنا ولا يتصور انقضاء عدة الحرة بحمل زنا .

                وتجب نفقة العبد والأمة وفطرتهما ، وإن عصيا وأبقا بخلاف الزوجة لأنها في الرقيق للملك ، وهو باق مع الإباق والعصيان . وفي الزوجة للاستمتاع وهو منتف مع النشوز ، ونفقة الزوجة مقدرة ولا تسقط بمضي الزمان ونفقة الرقيق للكفاية وتسقط بمضيه .

                ويفضل بعض الإماء على بعض في النفقة والكسوة بخلاف الزوجات ، ولا حصر لمدد التسري ولا يجب لهن قسم ، ويجوز جمعهن في مسكن بغير رضاهن ، ولا يجري فيهن ظهار ولا إيلاء ولا تطالب سيدها العنين بوطء ولا تمنع منه إن كان به عيب ، ولا تجب نفقة الرقيق على قريبه ، ولا حضانة له ولا يحضنه أقاربه ، بل سيده ، ولا عقيقة له كما ذكره البلقيني تخريجا ، ولو كان أبوه غنيا ; لأنه لا نفقة له عليه وإنما يخاطب بالعقيقة من عليه النفقة ولا يسن للسيد أن يعق عن رقيقه وفي ذلك قلت ملغزا :


                أيها السالك في الفقه على خير طريقه     هل لنا نجل غني
                ليس فيه من عقيقه

                ولا يسقط ضمان قتله أو قطعه بإذنه في ذلك . وفي سقوط القصاص بإذنه لمثله وجهان في الروضة بلا ترجيح . قال البلقيني أصحهما السقوط .

                وفي اللباب : الجناية على العبد مثلها على الحر إلا في سبعة أشياء : لا يقتل به الحر ولا من فيه حرية . وتجب فيه القيمة بالغة ما بلغت ويعتبر نقصان أطرافه من ضمان نفسه ولا يختلف الذكر والأنثى وتجب في جنايته نقد البلد ولا تجري فيه القسامة . قلت : الأصح تجري فيه كما مر .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية