الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ حصي ]

                                                          حصي : الحصى : صغار الحجارة ، الواحدة منه حصاة . ابن سيده : الحصاة من الحجارة معروفة ، وجمعها حصيات وحصى وحصي وحصي ; وقول أبي ذؤيب يصف طعنة :


                                                          مصحصحة تنفي الحصى عن طريقها يطير أحشاء الرعيب انثرارها



                                                          يقول : هي شديدة السيلان حتى إنه لو كان هنالك حصى لدفعته . وحصيته بالحصى أحصيه أي رميته . وحصيته : ضربته بالحصى . ابن شميل : الحصى ما حذفت به حذفا ، وهو ما كان مثل بعر الغنم . وقال أبو أسلم : العظيم مثل بعر البعير من الحصى ، قال : وقال أبو زيد : حصاة وحصي وحصي مثل قناة وقني وقني ونواة ونوي ودواة ودوي ، قال : هكذا قيده شمر بخطه ، قال : وقال غيره : تقول حصاة وحصى بفتح أوله ، وكذلك قناة وقنى ونواة ونوى مثل ثمرة وثمر ; قال : وقال غيره : تقول نهر حصوي أي كثير الحصى ، وأرض محصاة وحصية كثيرة الحصى ، وقد حصيت تحصى . وفي الحديث : نهى عن بيع الحصاة ، قال : هو أن يقول المشتري أو البائع إذا نبذت الحصاة إليك فقد [ ص: 146 ] وجب البيع ، وقيل : هو أن يقول بعتك من السلع ما تقع عليه حصاتك إذا رميت بها ، أو بعتك من الأرض إلى حيث تنتهي حصاتك ، والكل فاسد لأنه من بيوع الجاهلية ، وكلها غرر لما فيها من الجهالة . والحصاة : داء يقع بالمثانة وهو أن يخثر البول فيشتد حتى يصير كالحصاة ، وقد حصي الرجل فهو محصي . وحصاة القسم : الحجارة التي يتصافنون عليها الماء . والحصى : العدد الكثير ، تشبيها بالحصى من الحجارة في الكثرة ; قال الأعشى يفضل عامرا على علقمة :


                                                          ولست بالأكثر منهم حصى     وإنما العزة للكاثر



                                                          وأنشد ابن بري :


                                                          وقد علم الأقوام أنك سيد     وأنك من دار شديد حصاتها



                                                          وقولهم : نحن أكثر منهم حصى أي عددا . والحصو : المنع ; قال بشير الفريري :


                                                          ألا تخاف الله إذ حصوتني     حقي بلا ذنب ، وإذ عنيتني ؟



                                                          ابن الأعرابي : الحصو هو المغس في البطن . والحصاة : العقل والرزانة . يقال : هو ثابت الحصاة إذا كان عاقلا . وفلان ذو حصاة وأصاة أي عقل ورأي ; قال كعب بن سعد الغنوي :


                                                          وأعلم علما ليس بالظن     أنه إذا ذل مولى المرء فهو ذليل
                                                          وأن لسان المرء ما لم يكن له     حصاة على عوراته لدليل



                                                          ونسبه الأزهري إلى طرفة ، يقول : إذا لم يكن مع اللسان عقل يحجزه عن بسطه فيما لا يحب دل اللسان على عيبه بما يلفظ به من عور الكلام . وما له حصاة ولا أصاة ; أي رأي يرجع إليه . وقال الأصمعي في معناه : هو إذا كان حازما كتوما على نفسه يحفظ سره ، قال : والحصاة العقل ، وهي فعلة من أحصيت . وفلان حصي وحصيف ومستحص إذ كان شديد العقل . وفلان ذو حصى أي ذو عدد ، بغير هاء ; قال : وهو من الإحصاء لا من حصى الحجارة . وحصاة اللسان : ذرابته . وفي الحديث : ( وهل يكب الناس على مناخرهم في جهنم إلا حصا ألسنتهم ؟ ) قال الأزهري : المعروف في الحديث والرواية الصحيحة إلا حصائد ألسنتهم ، وقد ذكر في موضعه ، وأما الحصاة فهو العقل نفسه . قال ابن الأثير : حصا ألسنتهم جمع حصاة اللسان وهي ذرابته . والحصاة : القطعة من المسك . الجوهري : حصاة المسك قطعة صلبة توجد في فأرة المسك . قال الليث : يقال لكل قطعة من المسك حصاة . وفي أسماء الله تعالى : المحصي ; هو الذي أحصى كل شيء بعلمه فلا يفوته دقيق منها ولا جليل . والإحصاء : العد والحفظ . وأحصى الشيء : أحاط به . وفي التنزيل : وأحصى كل شيء عددا الأزهري : أي أحاط علمه ، سبحانه باستيفاء عدد كل شيء . وأحصيت الشيء : عددته ; قال ساعدة بن جؤية :


                                                          فورك ليثا أخلص القين أثره     وحاشكة يحصي الشمال نذيرها



                                                          قيل : يحصي في الشمال يؤثر فيها . الأزهري : وقال الفراء في قوله : علم أن لن تحصوه فتاب عليكم قال : علم أن لن تحفظوا مواقيت الليل ، وقال غيره : علم أن لن تحصوه أي لن تطيقوه . قال الأزهري : وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن لله تعالى تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة ) فمعناه عندي ، والله أعلم ، من أحصاها علما وإيمانا بها ويقينا بأنها صفات الله عز وجل ، ولم يرد الإحصاء الذي هو العد . قال : والحصاة العد اسم من الإحصاء ; قال أبو زبيد :


                                                          يبلغ الجهد ذا الحصاة من القوم     ومن يلف واهنا فهو مود



                                                          وقال ابن الأثير في قوله ( من أحصاها دخل الجنة ) : قيل من أحصاها من حفظها عن ظهر قلبه ، وقيل : من استخرجها من كتاب الله تعالى وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يعدها لهم إلا ما جاء في رواية عن أبي هريرة وتكلموا فيها ، وقيل : أراد من أطاق العمل بمقتضاها مثل من يعلم أنه سميع بصير فيكف سمعه ولسانه عما لا يجوز له ، وكذلك في باقي الأسماء ، وقيل : أراد من أخطر بباله عند ذكرها معناها وتفكر في مدلولها معظما لمسماها ، ومقدسا معتبرا بمعانيها ومتدبرا راغبا فيها وراهبا ، قال : وبالجملة ففي كل اسم يجريه على لسانه يخطر بباله الوصف الدال عليه . وفي الحديث : لا أحصي ثناء عليك ; أي لا أحصي نعمك والثناء بها عليك ولا أبلغ الواجب منه . وفي الحديث : أكل القرآن أحصيت ; أي حفظت . وقوله للمرأة : أحصيها أي احفظيها . وفي الحديث : استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة أي استقيموا في كل شيء حتى لا تميلوا ولن تطيقوا الاستقامة من قوله ، تعالى : علم أن لن تحصوه أي لن تطيقوا عده وضبطه .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية