الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 729 ] ثم دخلت سنة سبع وأربعين وأربعمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها ملك طغرلبك بغداد وهو أول ملوك السلجوقية لبلاد العراق وآخر ملك بني بويه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها تأكدت الوحشة بين البساسيري وبين الخليفة ، واشتكت الأتراك منه ، وأطلق رئيس الرؤساء عبارته فيه ، وذكر قبيح أفعاله ، وأنه كاتب المصريين بالطاعة ، وخلع ما كان عليه من بيعة العباسيين ، وقال الخليفة : وليس إلا إهلاكه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها غلت الأسعار بنواحي الأهواز ، حتى بيع الكر في مدينة شيراز بألف دينار .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها وقعت الفتنة بين السنة والرافضة على العادة ، فاقتتلوا قتالا شديدا مستمرا ، ولا تمكن الدولة أن يحجزوا بين الفريقين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها وقعت الفتنة بين الأشاعرة والحنابلة ، وكان جانب الحنابلة قويا بحيث إنه كان لا يتمكن أحد من الأشاعرة شهود الجماعات . قاله ابن الجوزي [ ص: 730 ] في " المنتظم " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الخطيب : كان أرسلان التركي المعروف بالبساسيري قد عظم أمره واستفحل ; لعدم أقرانه من متقدمي الأتراك ، واستولى على البلاد وطار اسمه وتهيبته أمراء العرب والعجم ، ودعي له على كثير من المنابر العراقية والأهواز ونواحيها ، ولم يكن الخليفة القائم بأمر الله يقطع أمرا دونه ، ثم صح عند الخليفة سوء عقيدته ، وشهد عنده جماعة من الأتراك عرفهم وهو بواسط عزمه على نهب دار الخلافة والقبض على الخليفة ، فكاتب الخليفة أبا طالب محمد بن ميكائيل بن سلجوق الملقب طغرلبك يستنهضه على المسير إلى العراق ، فانفض أكثر من كان مع البساسيري ، وعادوا إلى بغداد سريعا ، ثم أجمع رأيهم على قصد دار البساسيري وهي في الجانب الغربي فأحرقوها ، وهدموا أبنيتها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ووصل طغرلبك إلى بغداد في رمضان سنة سبع وأربعين ، وقد تلقاه إلى أثناء الطريق الأمراء والوزراء والحجاب ، ودخل بغداد في أبهة عظيمة جدا ، وخطب له بها ، ثم بعده للملك الرحيم ، ثم قطعت خطبة الملك الرحيم في أواخر شهر رمضان ، ورفع إلى القلعة معتقلا ، وكان آخر ملوك بني بويه ، وكانت مدة ولايته لبغداد ست سنين وعشرة أيام ، وطغرلبك أول ملوك السلجوقية ، ونزل طغرلبك دار المملكة بعد الفراغ من عمارتها ، ونزل أصحابه دور الأتراك ، وكان معه ثمانية أفيلة ، ووقعت الفتنة بين الأتراك والعامة ، ونهب الجانب الشرقي [ ص: 731 ] بكماله ، وجرت خطوب وخبطة عظيمة . وأما البساسيري فإنه فر من الخليفة إلى ناحية بلاد الرحبة ، وكتب إلى صاحب مصر بأنه على إقامة الدعوة له بالعراق ، فأرسل إليه بولاية الرحبة ونيابته بها ; ليكون على أهبة التمكن من الأمر الذي يحاوله ، قبحهما الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الثلاثاء عاشر ذي القعدة قلد أبو عبد الله محمد بن علي الدامغاني قضاء القضاة ، وخلع عليه به ، وذلك بعد موت أبي عبد الله الحسين بن علي بن ماكولا ، ثم خلع على الملك طغرلبك بعد دخوله بغداد بيوم ، ورجع إلى داره وبين يديه الدبادب والبوقات .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذا الشهر توفي ذخيرة الدين أبو العباس محمد بن أمير المؤمنين القائم بأمر الله وهو ولي عهد أبيه ، فعظمت الرزية به ، وجلس رئيس الرؤساء للعزاء ، وجاء الناس ، وقد أمروا بتخريق ثيابهم ونشر عمائمهم والتحفي ، وقطعت الدبادب أيام العزاء بدار الخلافة ودار الملك حزنا على ولي عهد الخلافة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة استولى أبو كامل علي بن محمد الصليحي الهمداني على أكثر أعمال اليمن ، وخطب فيها للفاطميين ، وقطع خطبة العباسيين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها كثر فساد الغز ونهبهم ، فثاورهم العوام واقتتلوا ، ونهبوا العامة حتى أبيع الثور بخمسة قراريط ، والحمار بقيراطين إلى خمسة قراريط .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 732 ] وفيها اشتد الغلاء بمكة ، وعدمت الأقوات ، فأرسل الله عليهم جرادا ملء الأرض ، فتعوضوا به عن الطعام .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولم يحج أحد من أهل العراق في هذه السنة أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية