الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 14 ] ثم دخلت سنة ستين وأربعمائة من الهجرة النبوية

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن الجوزي : في جمادى الأولى كانت زلزلة بأرض فلسطين أهلكت بلد الرملة ورمت شرافتين من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولحقت وادي الصفراء وخيبر وانشقت الأرض عن كنوز من المال ، وبلغ حسها إلى الرحبة والكوفة وجاء كتاب بعض التجار في هذه الزلزلة يقول : إنها خسفت الرملة جميعا حتى لم يسلم منها إلا داران فقط ، وهلك منها خمس عشرة ألف نسمة وانشقت الصخرة التي ببيت المقدس ، ثم عادت فالتأمت بقدرة الله تعالى ، وغار البحر مسيرة يوم وساخ في الأرض وظهر في مكان الماء أشياء من جواهر وغيرها ودخل الناس في أرضه يلتقطون فرجع عليهم فأهلك خلقا كثيرا منهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم السبت النصف من جمادى الآخرة قرئ الاعتقاد القادري الذي فيه مذهب أهل السنة والجماعة ، والإنكار على أهل البدع ، وقرأ أبو مسلم الليثي البخاري المحدث كتاب التوحيد لابن خزيمة على الجماعة الحاضرين . وذكر [ ص: 15 ] بمحضر من الوزير ابن جهير وجماعة الأعيان من الفقهاء وأهل الكلام ، واعترفوا بالموافقة ثم قرئ " الاعتقاد القادري " على الشريف أبي جعفر ابن المهتدي بالله بباب البصرة وذلك لسماعه له من الخليفة القادر بالله مصنفه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها عزل الخليفة وزيره أبا نصر محمد بن محمد بن جهير الملقب فخر الدولة وبعث إليه يعاتبه في أشياء كثيرة فاعتذر منها ، وأخذ في الترفق والتذلل فأجيب بأن يرحل إلى أي جهة شاء ، فاختار حلة ابن مزيد ، فباع أصحابه أموالهم وأملاكهم وطلقوا نساءهم ، وأخذ أولاده وأهله ، وجاء ليركب في سميرية لينحدر منها إلى الحلة والناس حوله يتباكون لبكائه ، فلما اجتاز بدار الخلافة قبل الأرض دفعات والخليفة في الشباك والوزير يقول : يا أمير المؤمنين ارحم شيبتي وغربتي وأولادي . فأعيد إلى الوزارة بشفاعة دبيس بن مزيد في السنة الآتية ، وامتدحه الشعراء ، وفرح الناس برجوعه إلى الوزارة ، وكان يوما مشهودا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية