الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ حقق ]

                                                          حقق : الحق : نقيض الباطل ، وجمعه حقوق وحقاق ، وليس له بناء أدنى عدد . وفي حديث التلبية : لبيك حقا حقا أي غير باطل ، وهو مصدر مؤكد لغيره أي أنه أكد به معنى : ألزم طاعتك الذي دل عليه لبيك ، كما تقول : هذا عبد الله حقا فتؤكد به وتكرره لزيادة التأكيد ، وتعبدا مفعول له ، وحكى سيبويه : لحق أنه ذاهب بإضافة حق إلى أنه كأنه قال : ليقين ذاك أمرك ، وليست في كلام كل العرب ، فأمرك هو خبر يقين لأنه قد أضافه إلى ذاك وإذا أضافه إليه لم يجز أن يكون خبرا عنه ، قال سيبويه : سمعنا فصحاء العرب يقولونه ، وقال الأخفش : لم أسمع هذا من العرب إنما وجدناه في الكتاب ووجه جوازه ، على قلته ، طول الكلام بما أضيف هذا المبتدأ إليه ، وإذا طال الكلام جاز فيه من الحذف ما يجوز فيه إذا قصر ، ألا ترى إلى ما حكاه الخليل عنهم : ما أنا بالذي قائل لك شيئا ؟ ولو قلت : ما أنا بالذي قائم لقبح . وقوله تعالى : ولا تلبسوا الحق بالباطل قال أبو إسحاق : الحق أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وما أتى به من القرآن ; وكذلك قال في قوله تعالى : بل نقذف بالحق على الباطل . وحق الأمر يحق ويحق حقا وحقوقا : صار حقا وثبت ; قال الأزهري : معناه وجب يجب وجوبا ، وحق عليه القول وأحققته أنا . وفي التنزيل : قال الذين حق عليهم القول أي ثبت ، قال الزجاج : هم الجن والشياطين . وقوله تعالى : ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين أي وجبت وثبتت ; وكذلك : لقد حق القول على أكثرهم ; وحقه يحقه حقا وأحقه ، كلاهما : أثبته وصار عنده حقا يشك فيه . وأحقه : صيره حقا . وحقه وحققه : صدقه ; وقال ابن دريد : صدق قائله . وحقق الرجل إذا قال : هذا الشيء هو الحق كقولك صدق . ويقال : أحققت الأمر إحقاقا إذا أحكمته وصححته ; وأنشد :


                                                          قد كنت أوعزت إلى العلاء بأن يحق وذم الدلاء



                                                          وحق الأمر يحقه حقا وأحقه : كان منه على يقين ; تقول : حققت الأمر وأحققته إذا كنت على يقين منه . ويقال : ما لي فيك حق ولا حقاق أي خصومة . وحق حذر الرجل يحقه حقا وحققت حذره وأحققته أي فعلت ما كان يحذره . وحققت الرجل وأحققته إذا أتيته ; حكاه أبو عبيد . قال الأزهري : ولا تقل حق حذرك ، وقال : حققت الرجل وأحققته إذا غلبته على الحق وأثبته عليه . قال ابن سيده : وحقه على الحق وأحقه غلبه عليه ، واستحقه طلب منه حقه . واحتق القوم : قال كل واحد منهم : الحق في يدي . وفي حديث ابن عباس في قراء القرآن : متى ما تغلوا في القرآن تحتقوا ، يعني المراء في القرآن ، ومعنى تحتقوا تختصموا فيقول كل واحد منهم : الحق بيدي ; ومعي ومنه حديث الحضانة : فجاء رجلان يحتقان في ولد أي يختصمان ويطلب كل واحد منهما حقه ; ومنه الحديث : من يحاقني في ولدي ؟ وحديث وهب : كان فيما كلم الله أيوب عليه السلام : أتحاقني بخطئك ; ومنه كتابه لحصين : إن له كذا وكذا لا يحاقه فيها أحد . وفي حديث أبي بكر رضي الله عنه : أنه خرج في الهاجرة إلى المسجد فقيل له : ما أخرجك ؟ قال : ما أخرجني إلا ما أجد من حاق الجوع ; أي صادقه وشدته ، ويروى بالتخفيف من حاق به يحيق حيقا وحاقا إذا أحدق به ، يريد من اشتمال الجوع عليه ، فهو مصدر أقامه مقام الاسم ، وهو مع التشديد اسم فاعل من حق يحق . وفي حديث تأخير الصلاة : ( وتحتقونها إلى شرق الموتى ) أي تضيقون وقتها إلى ذلك الوقت . يقال : هو في حاق من كذا أي في ضيق ; قال ابن الأثير : هكذا رواه بعض المتأخرين وشرحه ، قال : والرواية المعروفة بالخاء المعجمة والنون ، وسيأتي ذكره . والحق : من أسماء الله ، عز وجل ، وقيل من صفاته ; قال ابن الأثير : هو الموجود حقيقة المتحقق وجوده وإلهيته . والحق : ضد الباطل . وفي التنزيل : ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق . وقوله تعالى : ولو اتبع الحق أهواءهم قال ثعلب : الحق هنا الله ، عز وجل ، وقال الزجاج : ويجوز أن يكون الحق هنا التنزيل أي لو كان القرآن بما يحبونه لفسدت السماوات والأرض . وقوله تعالى : وجاءت سكرة الموت بالحق معناه جاءت السكرة التي تدل الإنسان أنه ميت بالحق أي بالموت الذي خلق له . قال ابن سيده : وروي عن أبي بكر رضي الله عنه : وجاءت سكرة الحق بالموت ، والمعنى واحد ، وقيل : الحق هنا الله تعالى . وقول حق : وصف به ، كما تقول قول باطل . وقال اللحياني : وقوله تعالى : ذلك عيسى ابن مريم قول الحق إنما هو على إضافة الشيء إلى نفسه ; قال الأزهري : رفع الكسائي القول وجعل الحق هو الله ، وقد نصب " قول " قوم من القراء يريدون : ذلك عيسى ابن مريم قولا حقا ، وقرأ من قرأ : فالحق والحق أقول برفع الحق الأول فمعناه أنا الحق . وقال الفراء في قوله تعالى : قال فالحق والحق أقول قرأ القراء الأول بالرفع والنصب ، روي الرفع عن عبد الله بن عباس المعنى فالحق مني وأقول الحق ، وقد نصبهما معا كثير من القراء ، منهم من يجعل الأول على معنى الحق لأملأن ، ونصب الثاني بوقوع الفعل عليه ليس فيه اختلاف ; قال ابن سيده : ومن قرأ فالحق والحق أقول بنصب الحق الأول ، فتقديره فأحق الحق حقا ; وقال ثعلب : تقديره فأقول الحق حقا ; ومن قرأ فالحق ، أراد فبالحق وهي قليلة لأن حروف الجر تضمر . وأما قول الله - عز وجل : [ ص: 177 ] هنالك الولاية لله الحق فالنصب في الحق جائز يريد حقا أي أحق الحق وأحقه حقا ، قال : وإن شئت خفضت الحق فجعلته صفة لله ، وإن شئت رفعته فجعلته من صفة الولاية هنالك الولاية الحق لله . وفي الحديث : من رآني فقد رأى الحق أي رؤيا صادقة ليست من أضغاث الأحلام ، وقيل : فقد رآني حقيقة غير مشبه . ومنه الحديث : أمينا حق أمين أي صدقا ، وقيل : واجبا ثابتا له الأمانة ; ومنه الحديث : ( أتدري ما حق العباد على الله ) أي ثوابهم الذي وعدهم به فهو واجب الإنجاز ثابت بوعده الحق ; ومنه الحديث : ( الحق بعدي مع عمر ) . ويحق عليك أن تفعل كذا : يجب ، والكسر لغة ويحق لك أن تفعل ويحق لك تفعل ; قال :


                                                          يحق لمن أبو موسى أبوه     يوفقه الذي نصب الجبالا



                                                          وأنت حقيق عليك ذلك ، وحقيق علي أن أفعله ; قال شمر : تقول العرب حق علي أن أفعل ذلك وحق ، وإني لمحقوق أن أفعل خيرا ، وهو حقيق به ومحقوق به أي خليق له ، والجمع أحقاء ومحقوقون . وقال الفراء : حق لك أن تفعل ذلك وحق ، وإني لمحقوق أن أفعل كذا ، فإذا قلت : حق ، قلت لك ، وإذا قلت : حق ، قلت عليك ، قال : وتقول يحق عليك أن تفعل كذا وحق لك ، ولم يقولوا حققت أن تفعل . وقوله - تعالى : وأذنت لربها وحقت أي وحق لها أن تفعل . ومعنى قول من قال حق عليك أن تفعل وجب عليك . وقالوا : حق أن تفعل وحقيق أن تفعل . وفي التنزيل : حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق . وحقيق في حق وحق ، فعيل بمعنى مفعول ، كقولك أنت حقيق أن تفعله أي محقوق أن تفعله ، وتقول : أنت محقوق أن تفعل ذلك ; قال الشاعر :


                                                          قصر فإنك بالتقصير محقوق



                                                          وفي التنزيل : فحق علينا قول ربنا . ويقال للمرأة : أنت حقيقة لذلك ، يجعلونه كالاسم ، وأنت محقوقة لذلك ، وأنت محقوقة أن تفعلي ذلك ; وأما قول الأعشى :


                                                          وإن امرأ أسرى إليك ودونه     من الأرض موماة ويهماء سملق
                                                          لمحقوقة أن تستجيبي لصوته     وأن تعلمي أن المعان موفق



                                                          فإنه أراد : لخلة محقوقة ، يعني بالخلة الخليل ، ولا تكون الهاء في محقوقة للمبالغة لأن المبالغة إنما هي في أسماء الفاعلين دون المفعولين ، ويجوز أن يكون التقدير لمحقوقة أنت ، لأن الصفة إذا جرت على غير موصوفها لم يكن عند أبي الحسن الأخفش بد من إبراز الضمير ، وهذا كله تعليل الفارسي ; وقول الفرزدق :


                                                          إذا قال عاو من معد قصيدة     بها جرب ، عدت علي بزوبرا
                                                          فينطقها غيري وأرمى بذنبها     فهذا قضاء حقه أن يغيرا



                                                          أي حق له . والحق واحد الحقوق ، والحقة والحقة أخص منه ، وهو في معنى الحق ; قال الأزهري : كأنها أوجب وأخص ، تقول هذه حقتي أي حقي . وفي الحديث : أنه أعطى كل ذي حق حقه ولا وصية لوارث أي حظه ونصيبه الذي فرض له . ومنه حديث عمر رضي الله عنه لما طعن أوقظ للصلاة ، فقال : الصلاة والله إذن ولا حق ; أي ولا حظ في الإسلام لمن تركها ، وقيل : أراد الصلاة مقضية إذن ولا حق مقضي غيرها ، يعني أن في عنقه حقوقا جمة يجب عليه الخروج عن عهدتها وهو غير قادر عليه ، فهب أنه قضى حق الصلاة فما بال الحقوق الأخر ؟ وفي الحديث : ليلة الضيف حق فمن أصبح بفنائه ضيف فهو عليه دين ; جعلها حقا من طريق المعروف والمروءة ولم يزل قرى الضيف من شيم الكرام ومنع القرى مذموم ; ومنه الحديث : أيما رجل ضاف قوما فأصبح محروما فإن نصره حق على كل مسلم حتى يأخذ قرى ليلته من زرعه وماله ; وقال الخطابي : يشبه أن يكون هذا في الذي يخاف التلف على نفسه ويجد ما يأكل فله أن يتناول من مال أخيه ما يقيم نفسه ، وقد اختلف الفقهاء في حكم ما يأكله هل يلزمه في مقابلته شيء أم لا . قال ابن سيده : قال سيبويه وقالوا هذا العالم حق العالم ; يريدون بذلك التناهي وأنه قد بلغ الغاية فيما يصفه من الخصال ، قال : وقالوا هذا عبد الله الحق لا الباطل ، دخلت فيه اللام كدخولها في قولهم أرسلها العراك ، إلا أنه قد تسقط منه فتقول حقا لا باطلا . وحق لك أن تفعل وحققت أن تفعل وما كان يحقك أن تفعله في معنى ما حق لك . وأحق عليك القضاء فحق أي أثبت فثبت ، والعرب تقول : حققت عليه القضاء أحقه حقا وأحققته أحقه إحقاقا ; أي أوجبته . قال الأزهري : قال أبو عبيد : ولا أعرف ما قال الكسائي في حققت الرجل وأحققته أي غلبته على الحق . وقوله - تعالى : حقا على المحسنين منصوب على معنى حق ذلك عليهم حقا ; هذا قول أبي إسحاق النحوي ; وقال الفراء في نصب قوله حقا على المحسنين وما أشبهه في الكتاب : إنه نصب من جهة الخبر لا أنه من نعت قوله : متاعا بالمعروف حقا قال : وهو كقولك عبد الله في الدار حقا ، إنما نصب حقا من نية كلام المخبر كأنه قال : أخبركم بذلك حقا ; قال الأزهري : هذا القول يقرب مما قاله أبو إسحاق ؛ لأنه جعله مصدرا مؤكدا كأنه قال أخبركم بذلك أحقه حقا ; قال أبو زكريا الفراء : وكل ما كان في القرآن من نكرات الحق أو معرفته أو ما كان في معناه مصدرا ، فوجه الكلام فيه النصب كقول الله - تعالى : وعد الحق و وعد الصدق والحقيقة ما يصير إليه حق الأمر ووجوبه . وبلغ حقيقة الأمر أي يقين شأنه . وفي الحديث : ( لا يبلغ المؤمن حقيقة الإيمان حتى لا يعيب مسلما بعيب هو فيه ) يعني خالص الإيمان ومحضه وكنهه . وحقيقة الرجل : ما يلزمه حفظه ومنعه ويحق عليه الدفاع عنه من أهل بيته ; والعرب تقول : فلان يسوق الوسيقة وينسل الوديقة ويحمي الحقيقة ; فالوسيقة الطريدة من الإبل ، سميت وسيقة لأن طاردها يسقها إذا ساقها أي يقبضها ، والوديقة شدة الحر ، والحقيقة ما يحق عليه أن يحميه ، وجمعها الحقائق . والحقيقة في [ ص: 178 ] اللغة : ما أقر في الاستعمال على أصل وضعه ، والمجاز ما كان بضد ذلك ، وإنما يقع المجاز ويعدل إليه عن الحقيقة لمعان ثلاثة : وهي الاتساع والتوكيد والتشبيه ، فإن عدم هذه الأوصاف كانت الحقيقة البتة ، وقيل : الحقيقة الراية ; قال عامر بن الطفيل :


                                                          لقد علمت عليا هوازن أنني     أنا الفارس الحامي حقيقة جعفر



                                                          وقيل : الحقيقة الحرمة ، والحقيقة الفناء . وحق الشيء يحق ، بالكسر ، حقا أي وجب . وفي حديث حذيفة : ما حق القول على بني إسرائيل حتى استغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء أي وجب ولزم . وفي التنزيل : ولكن حق القول مني . وأحققت الشيء أي أوجبته . وتحقق عنده الخبر أي صح . وحقق قوله وظنه تحقيقا أي صدق . وكلام محقق أي رصين ; قال الراجز :


                                                          دع ذا وحبر منطقا محققا



                                                          والحق : صدق الحديث . والحق : اليقين بعد الشك . وأحق الرجل : قال شيئا أو ادعى شيئا فوجب له . واستحق الشيء : استوجبه . وفي التنزيل : فإن عثر على أنهما استحقا إثما أي استوجباه بالخيانة ، وقيل : معناه فإن اطلع على أنهما استوجبا إثما ; أي خيانة باليمين الكاذبة التي أقدما عليها ، فآخران يقومان مقامهما من ورثة المتوفى الذين استحق عليهم أي ملك عليهم حق من حقوقهم بتلك اليمين الكاذبة ، وقيل : معنى عليهم منهم ، وإذا اشترى رجل دارا من رجل فادعاها رجل آخر وأقام بينة عادلة على دعواه وحكم له الحاكم ببينته فقد استحقها على المشتري الذي اشتراها أي ملكها عليه ، وأخرجها الحاكم من يد المشتري إلى يد من استحقها ، ورجع المشتري على البائع بالثمن الذي أداه إليه ، والاستحقاق والاستيجاب قريبان من السواء . وأما قوله تعالى : لشهادتنا أحق من شهادتهما فيجوز أن يكون معناه أشد استحقاقا للقبول ، ويكون إذ ذاك على طرح الزائد من استحق أعني السين والتاء ، ويجوز أن يكون أراد أثبت من شهادتهما مشتق من قولهم حق الشيء إذا ثبت . وفي حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( ما حق امرئ أن يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده ) قال الشافعي : معناه ما الحزم لامرئ وما المعروف في الأخلاق الحسنة لامرئ ولا الأحوط إلا هذا ، لا أنه واجب ولا هو من جهة الفرض ، وقيل : معناه أن الله حكم على عباده بوجوب الوصية مطلقا ثم نسخ الوصية للوارث فبقي حق الرجل في ماله أن يوصي لغير الوارث ، وهو ما قدره الشارع بثلث ماله . وحاقه في الأمر محاقة وحقاقا : ادعى أنه أولى بالحق منه ، وأكثر ما استعملوا هذا في قولهم حاقني أي أكثر ما يستعملونه في فعل الغائب . وحاقه فحقه يحقه : غلبه ، وذلك في الخصومة واستيجاب الحق . وحاقه أي خاصمه وادعى كل واحد منهما الحق ، فإذا غلبه قيل حقه . والتحاق : التخاصم . والاحتقاق : الاختصام . ويقال : احتق فلان وفلان ، ولا يقال للواحد كما لا يقال اختصم للواحد دون الآخر . وفي حديث علي كرم الله وجهه : إذا بلغ النساء نص الحقاق ، ورواه بعضهم : نص الحقائق ، فالعصبة أولى ; قال أبو عبيدة : نص كل شيء منتهاه ومبلغ أقصاه . والحقاق : المحاقة وهو أن تحاق الأم العصبة في الجارية فتقول أنا أحق بها ، ويقولون بل نحن أحق ، وأراد بنص الحقاق الإدراك لأن وقت الصغر ينتهي فتخرج الجارية من حد الصغر إلى الكبر ; يقول : ما دامت الجارية صغيرة فأمها أولى بها ، فإذا بلغت فالعصبة أولى بأمرها من أمها وبتزويجها وحضانتها إذا كانوا محرما لها مثل الآباء والإخوة والأعمام ; وقال ابن المبارك : نص الحقاق بلوغ العقل ، وهو مثل الإدراك ؛ لأنه إنما أراد منتهى الأمر الذي تجب به الحقوق والأحكام فهو العقل والإدراك . وقيل : المراد بلوغ المرأة إلى الحد الذي يجوز فيه تزويجها وتصرفها في أمرها ، تشبيها بالحقاق من الإبل جمع حق وحقة ، وهو الذي دخل في السنة الرابعة ، وعند ذلك يتمكن من ركوبه وتحميله ، ومن رواه نص الحقائق فإنه أراد جمع الحقيقة ، وهو ما يصير إليه حق الأمر ووجوبه ، أو جمع الحقة من الإبل ; ومنه قولهم : فلان حامي الحقيقة إذا حمى ما يجب عليه حمايته . ورجل نزق الحقاق إذا خاصم في صغار الأشياء . والحاقة : النازلة وهي الداهية أيضا . وفي التهذيب : الحقة الداهية والحاقة القيامة ، قد حقت تحق . وفي التنزيل : الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة الحاقة : الساعة والقيامة ، سميت حاقة ؛ لأنها تحق كل إنسان من خير أو شر ; قال ذلك الزجاج ، وقال الفراء : سميت حاقة ؛ لأن فيها حواق الأمور والثواب . والحقة : حقيقة الأمر ، قال : والعرب تقول لما عرفت الحقة مني هربت ، والحقة والحاقة بمعنى واحد ; وقيل : سميت القيامة حاقة ؛ لأنها تحق كل محاق في دين الله بالباطل أي كل مجادل ومخاصم فتحقه أي تغلبه وتخصمه ، من قولك حاققته أحاقه حقاقا ومحاقة فحققته أحقه أي غلبته وفلجت عليه . وقال أبو إسحاق في قوله الحاقة : رفعت بالابتداء ، وما رفع بالابتداء أيضا ، والحاقة الثانية خبر ما ، والمعنى تفخيم شأنها كأنه قال الحاقة أي شيء الحاقة . وقوله - عز وجل : وما أدراك ما الحاقة معناه أي شيء أعلمك ما الحاقة ، وما موضعها رفع وإن كانت بعد " أدراك " ; المعنى ما أعلمك أي شيء الحاقة . ومن أيمانهم : لحق لأفعلن ، مبنية على الضم ; قال الجوهري : وقولهم لحق لا آتيك هو يمين للعرب يرفعونها بغير تنوين إذا جاءت بعد اللام ، وإذا أزالوا عنها اللام قالوا حقا لا آتيك ; قال ابن بري : يريد لحق الله فنزله منزلة لعمر الله ، ولقد أوجب رفعه لدخول اللام كما وجب في قولك لعمر الله إذا كان باللام . والحق : الملك . والحقق : القريبو العهد بالأمور خيرها وشرها ، قال : والحقق المحقون لما ادعوا أيضا . والحق من أولاد الإبل : الذي بلغ أن يركب ويحمل عليه ويضرب ، يعني أن يضرب الناقة ، بين الإحقاق والاستحقاق ، وقيل : إذا بلغت أمه أوان الحمل من العام المقبل فهو حق بين الحقة . قال الأزهري : ويقال بعير حق بين الحق بغير هاء ، وقيل : إذا بلغ هو وأخته أن يحمل عليهما ويركبا فهو حق الجوهري : سمي حقا لاستحقاقه أن يحمل عليه وأن ينتفع به ; تقول : هو حق بين الحقة ، وهو مصدر ، وقيل : الحق الذي [ ص: 179 ] استكمل ثلاث سنين ودخل في الرابعة ; قال :


                                                          إذا سهيل مغرب الشمس طلع     فابن اللبون الحق والحق جذع



                                                          والجمع أحق وحقاق والأنثى حقة وحق أيضا ; قال ابن سيده : والأنثى من كل ذلك حقة بينة الحقة ، وإنما حكمه بينة الحقاقة والحقوقة أو غير ذلك من الأبنية المخالفة للصفة لأن المصدر في مثل هذا يخالف الصفة ، ونظيره في موافقة هذا الضرب من المصادر للاسم في البناء قولهم أسد بين الأسد . قال أبو مالك : أحقت البكرة إذا استوفت ثلاث سنين ، وإذا لقحت حين تحق قيل لقحت علي كرها . والحقة أيضا : الناقة التي تؤخذ في الصدقة إذا جازت عدتها خمسا وأربعين . وفي حديث الزكاة ذكر الحق والحقة ، والجمع من كل ذلك حقق وحقائق ; ومنه قول المسيب بن علس :


                                                          قد نالني منه على عدم     مثل الفسيل صغارها الحقق



                                                          قال ابن بري : الضمير في منه يعود على الممدوح وهو حسان بن المنذر أخو النعمان ; قال الجوهري : وربما تجمع على حقائق مثل إفال وأفائل ، قال ابن سيده : وهو نادر ; وأنشد لعمارة بن طارق :


                                                          ومسد أمر من أيانق     لسن بأنياب ولا حقائق



                                                          وهذا مثل جمعهم امرأة غرة على غرائر ، وكجمعهم ضرة على ضرائر ، وليس ذلك بقياس مطرد . والحق والحقة في حديث صدقات الإبل والديات ، قال أبو عبيد : البعير إذا استكمل السنة الثالثة ودخل في الرابعة فهو حينئذ حق ، والأنثى حقة . والحقة : نبز أم جرير بن الخطفى ، وذلك لأن سويد بن كراع خطبها إلى أبيها فقال له : إنها لصغيرة صرعة ، قال سويد : لقد رأيتها وهي حقة أي كالحقة من الإبل في عظمها ; ومنه حديث عمر ، رضي الله عنه : ومن وراء حقاق العرفط أي صغارها وشوابها ، تشبيها بحقاق الإبل . وحقت الحقة تحق حقة وأحقت ، كلاهما : صارت حقة ; قال الأعشى :


                                                          بحقتها حبست في اللجي     ن ، حتى السديس لها قد أسن



                                                          قال ابن بري : يقال أسن سديس الناقة إذا نبت وذلك في الثامنة ، يقول : قيم عليها من لدن كانت حقة إلى أن أسدست ، والجمع : حقاق وحقق ; قال الجوهري : ولم يرد بحقتها صفة لها لأنه لا يقال ذلك كما لا يقال بجذعتها فعل بها كذا ولا بثنيتها ولا ببازلها ، ولا أراد بقوله أسن كبر لأنه لا يقال أسن السن ، وإنما يقال أسن الرجل وأسنت المرأة ، وإنما أراد أنها ربطت في اللجين وقتا كانت حقة إلى أن نجم سديسها أي نبت ، وجمع الحقاق حقق مثل : كتاب وكتب ; قال ابن سيده : وبعضهم يجعل الحقة هنا الوقت ، وأتت الناقة على حقتها أي على وقتها الذي ضربها الفحل فيه من قابل ، وهو إذا تم حملها وزادت على السنة أياما من اليوم الذي ضربت فيه عاما أول حتى يستوفي الجنين السنة ، وقيل : حق الناقة واستحقاقها تمام حملها ; قال ذو الرمة :


                                                          أفانين مكتوب لها دون حقها     إذا حملها راش الحجاجين بالثكل



                                                          أي إذا نبت الشعر على ولدها ألقته ميتا ، وقيل : معنى البيت أنه كتب لهذه النجائب إسقاط أولادها قبل آناء نتاجها ، وذلك أنها ركبت في سفر أتعبها فيه شدة السير حتى أجهضت أولادها ; وقال بعضهم : سميت الحقة لأنها استحقت أن يطرقها الفحل ، وقولهم : كان ذلك عند حق لقاحها وحق لقاحها أيضا ، بالكسر ، أي حين ثبت ذلك فيها . الأصمعي : إذا جازت الناقة السنة ولم تلد قيل قد جازت الحق ; وقول عدي :


                                                          أي قومي إذا عزت الخمر     وقامت رفاقهم بالحقاق



                                                          ويروى : وقامت حقاقهم بالرفاق ، قال : وحقاق الشجر صغارها شبهت بحقاق الإبل . ويقال : عذر الرجل وأعذر واستحق واستوجب إذا أذنب ذنبا استوجب به عقوبة ; ومنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم : لا يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم . وصبغت الثوب صبغا تحقيقا أي مشبعا . وثوب محقق : عليه وشي على صورة الحقق ، كما يقال برد مرجل . وثوب محقق إذا كان محكم النسج ; قال الشاعر :


                                                          تسربل جلد وجه أبيك     إنا كفيناك المحققة الرقاقا



                                                          وأنا حقيق على كذا أي حريص عليه ; عن أبي علي ، وبه فسر قوله تعالى : حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق في قراءة من قرأ به وقرئ ( حقيق علي أن لا أقول ) ومعناه واجب علي ترك القول على الله إلا بالحق . والحق والحقة ، بالضم : معروفة ، هذا المنحوت من الخشب والعاج وغير ذلك مما يصلح أن ينحت منه عربي معروف ، قد جاء في الشعر الفصيح ، قال الأزهري : وقد تسوى الحقة من العاج وغيره ، ومنه قول عمرو بن كلثوم :


                                                          وثديا مثل حق العاج رخصا     حصانا من أكف اللامسينا



                                                          قال الجوهري : والجمع حق وحقق وحقاق ; قال ابن سيده : وجمع الحق أحقاق وحقاق ، وجمع الحقة حقق ; قال رؤبة :


                                                          سوى مساحيهن تقطيط الحقق



                                                          وصف حوافر حمر الوحش أي أن الحجارة سوت حوافرها كأنما قططت تقطيط الحقق ، وقد قالوا في جمع حقة حق ، فجعلوه من باب سدرة وسدر ، وهذا أكثره إنما هو في المخلوق دون المصنوع ، ونظيره من المصنوع دواة ودوى وسفينة وسفين . والحق من الورك : مغرز رأس الفخذ فيها عصبة إلى رأس الفخذ إذا انقطعت حرق الرجل ، وقيل : الحق أصل الورك الذي فيه عظم رأس الفخذ . والحق أيضا : النقرة التي في رأس الكتف . والحق : رأس العضد الذي فيه الوابلة وما أشبهها . ويقال : أصبت حاق عينه وسقط فلان على حاق رأسه أي [ ص: 180 ] وسط رأسه ، وجئته في حاق الشتاء أي في وسطه . قال الأزهري : وسمعت أعرابيا يقول لنقبة من الجرب ظهرت ببعير فشكوا فيها فقال : هذا حاق صمادح الجرب . وفي الحديث : ليس للنساء أن يحققن الطريق ; هو أن يركبن حقها وهو وسطها من قولك سقط على حاق القفا وحقه . وفي حديث يوسف بن عمر : إلا عاملا من عمالي يذكر أنه زرع كل حق ولق ; الحق : الأرض المطمئنة ، واللق : المرتفعة . وحق الكهول : بيت العنكبوت ; ومنه حديث عمرو بن العاص أنه قال لمعاوية في محاورات كانت بينهما : لقد رأيتك بالعراق وإن أمرك كحق الكهول وكالحجاة في الضعف فما زلت أرمه حتى استحكم في حديث فيه طول ، قال : أي واه . وحق الكهول : بيت العنكبوت . قال الأزهري : وقد روى ابن قتيبة هذا الحرف بعينه فصحفه وقال : مثل حق الكهدل ، بالدال بدل الواو ، قال : وخبط في تفسيره خبط العشواء ، والصواب مثل حق الكهول ، والكهول العنكبوت وحقه بيته . وحاق وسط الرأس : حلاوة القفا . ويقال : استحقت إبلنا ربيعا وأحقت ربيعا إذا كان الربيع تاما فرعته . وأحق القوم إحقاقا إذا سمن مالهم . واحتق القوم احتقاقا إذا سمن وانتهى سمنه . قال ابن سيده : وأحق القوم من الربيع إحقاقا إذا أسمنوا ; عن أبي حنيفة يريد سمنت مواشيهم . وحقت الناقة وأحقت واستحقت : سمنت . وحكى ابن السكيت عن ابن عطاء أنه قال : أتيت أبا صفوان أيام قسم المهدي الأعراب ، فقال أبو صفوان : ممن أنت ؟ وكان أعرابيا فأراد أن يمتحنه ، قلت : من بني تميم ، قال : من أي تميم ؟ قلت : ربابي ، قال : وما صنعتك ؟ قلت : الإبل ، قال : فأخبرني عن حقة حقت على ثلاث حقاق ، فقلت : سألت خبيرا : هذه بكرة كان معها بكرتان في ربيع واحد فارتبعن فسمنت قبل أن تسمنا فقد حقت واحدة ، ثم ضبعت ولم تضبعا فقد حقت عليهما حقة أخرى ، ثم لقحت ولم تلقحا فهذه ثلاث حقات ، فقال لي : لعمري أنت منهم ! واستحقت الناقة لقاحا إذا لقحت واستحق لقاحها ، يجعل الفعل مرة للناقة ومرة للقاح . قال أبو حاتم : محاق المال يكون الحلبة الأولى ، والثانية منها لبأ . والمحاق : اللاتي لم ينتجن في العام الماضي ولم يحلبن فيه . واحتق الفرس أي ضمر . ويقال : لا يحق ما في هذا الوعاء رطلا معناه ، أنه يزن رطلا . وطعنة محتقة أي لا زيغ فيها وقد نفذت . ويقال : رمى فلان الصيد فاحتق بعضا وشرم بعضا أي قتل بعضا وأفلت بعض جريحا ; والمحتق من الطعن : النافذ إلى الجوف ; ومنه قول أبي كبير الهذلي :


                                                          وهلا وقد شرع الأسنة نحوها     ما بين محتق بها ومشرم



                                                          أراد من بين طعن نافذ في جوفها وآخر قد شرم جلدها ولم ينفذ إلى الجوف . والأحق من الخيل : الذي لا يعرق ، وهو أيضا الذي يضع حافر رجله موضع حافر يده ، وهما عيب ; قال عدي بن خرشة الخطمي :


                                                          بأجرد من عتاق الخيل نهد     جواد لا أحق ولا شئيت



                                                          قال ابن سيده : هذه رواية ابن دريد ، ورواية أبي عبيدة :


                                                          وأقدر مشرف الصهوات ساط     كميت ، لا أحق ولا شئيت



                                                          الأقدر : الذي يجوز حافرا رجليه حافري يديه ، والأحق : الذي يطبق حافرا رجليه حافري يديه والشئيت : الذي يقصر موقع حافر رجله عن موقع حافر يده وذلك أيضا عيب ، والاسم الحقق . وبنات الحقيق : ضرب من رديء التمر ، وقيل : هو الشيص ، قال الأزهري : قال الليث : بنات الحقيق ضرب من التمر ، والصواب لون الحبيق ضرب من التمر رديء ، وبنات الحقيق في صفة التمر تغيير ، ولون الحبيق معروف . قال : وقد روينا عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أنه نهى عن لونين من التمر في الصدقة : أحدهما الجعرور ، والآخر لون الحبيق ، ويقال لنخلته عذق ابن حبيق وليس بشيص ولكنه رديء من الدقل ; وروى الأزهري حديثا آخر عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : لا يخرج في الصدقة الجعرور ولا لون حبيق ; قال الشافعي : وهذا تمر رديء وأيبس تمر وتؤخذ الصدقة من وسط التمر . والحقحقة : شدة السير . حقحق القوم إذا اشتدوا في السير . وقرب محقحق : جاد منه . وتعبد عبد الله بن مطرف بن الشخير فلم يقتصد فقال له أبوه : يا عبد الله ، العلم أفضل من العمل ، والحسنة بين السيئتين ، وخير الأمور أوساطها ، وشر السير الحقحقة ; هو إشارة إلى الرفق في العبادة ، يعني عليك بالقصد في العبادة ولا تحمل على نفسك فتسأم ; وخير العمل ما ديم وإن قل ، وإذا حملت على نفسك من العبادة ما لا تطيقه انقطعت به عن الدوام على العبادة وبقيت حسيرا ، فتكلف من العبادة ما تطيقه ولا يحسرك . والحقحقة : أرفع السير وأتعبه للظهر . وقال الليث : الحقحقة سير الليل في أوله ، وقد نهي عنه ، قال : وقال بعضهم : الحقحقة في السير إتعاب ساعة وكف ساعة ; قال الأزهري : فسر الليث الحقحقة تفسيرين مختلفين لم يصب الصواب في واحد منهما ، والحقحقة عند العرب أن يسار البعير ويحمل على ما يتعبه وما لا يطيقه حتى يبدع براكبه ، وقيل : هو المتعب من السير ، قال : وأما قول الليث : إن الحقحقة سير أول الليل ، فهو باطل ما قاله أحد ، ولكن يقال فحموا عن الليل أي لا تسيروا فيه . وقال ابن الأعرابي : الحقحقة أن يجهد الضعيف شدة السير . قال ابن سيده : وسير حقحاق شديد ، وقد حقحق وهقهق على البدل ، وقهقه على القلب بعد البدل . وقرب حقحاق وهقهاق وقهقاه ومقهقه ومهقهق إذا كان السير فيه شديدا متعبا . وأم حقة : اسم امرأة ; قال معن بن أوس :


                                                          فقد أنكرته أم حقة حادثا     وأنكرها ما شئت ، والود خادع



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية