الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          أو يأخذهم على تخوف .

                                                          أي: تخوف من العذاب أن ينزل بهم كما نزل بالأقوام قبلهم فهم يعروهم الخوف، ولكن لا يصل إلى حملهم على الإيمان، ولكن يتخوفون أن ينزل بهم، وقد يفسر التخوف بمعنى النقص، أي [ ص: 4188 ] ينقص الله من أموالهم شيئا فشيئا. كما فعل سبحانه وتعالى بقوم فرعون؛ إذ قال سبحانه: ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون فالتخوف هو النقص حتى يكون الهلاك من بعد ذلك.

                                                          ولقد ذكر الزمخشري في ذلك ما نصه: " وقيل هو من قولك: تخوفته إذا تنقصته، قال زهير:


                                                          تخوف الرحل منها تامكا قردا كما تخوف عود النبعة السفن



                                                          أي يأخذهم على أن يتنقصهم شيئا بعد شيء في أنفسهم وأموالهم حتى يهلكوا، وعن عمر رضي الله عنه أنه قال على المنبر: ما تقولون فيها، فسكتوا فقام شيخ من هذيل فقال: هذه لغتنا، التخوف التنقص، قال: فهل تعرف العرب ذلك في أشعارها؟ قال: نعم. قال: شاعرنا، وأنشد البيت، فقال عمر: أيها الناس عليكم بديوانكم، قالوا: وما ديواننا، قال: شعر الجاهلية ".

                                                          ومعنى النص السامي أن العذاب يأتيهم وهم لا يشعرون وهم في مأمنهم قابعون، أو يأتيهم في متاجرهم ومتقلبهم مقبلين، أو يأتيهم بنقص وهلاك بطيء فينتهون وهم قد عرفوا الابتداء ولم يعرفوا الانتهاء.

                                                          وقد ختم الله سبحانه آيات الإنذار بقوله: فإن ربكم لرءوف رحيم

                                                          ووصف الله سبحانه وتعالى ذاته بالرأفة والرحمة مع هذا التهديد الشديد؛ لأن رأفته بهم، ورحمته العامة، اقتضت ألا يعاجلهم بالعقاب، فهو سبحانه يبين لهم أنه قادر على العقاب ينزله بهم في أي باب من هذه الأبواب، ولكنه لم يعجل رأفة بهم وهو رحيم رحمة عامة للناس.

                                                          وفوق ذلك، فإن الإنذار بالعقوبة، بل العقوبة نفسها رحمة بالكافة، فليس من الرحمة بالكافة أن يترك الظالم في غيه يرتع ويلعب ويعبث بالكرامة الإنسانية، فقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " من لا يرحم لا يرحم " ، وقد ثبت في [ ص: 4189 ] الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله أنهم يجعلون لله ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم "، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية