الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        كتاب المدبر

                                                                                                                                                                                        النسخ المقابل عليها

                                                                                                                                                                                        1 - (ف) نسخة فرنسا رقم (1071)

                                                                                                                                                                                        2 - (ح) نسخة الحسنية رقم (12929)

                                                                                                                                                                                        3 - (ق 10) نسخة القرويين رقم (370) [ ص: 3904 ]

                                                                                                                                                                                        [ ص: 3905 ] كتاب المدبر

                                                                                                                                                                                        باب في التدبير والوصية وما يتعلق بذلك

                                                                                                                                                                                        قال مالك : التدبير واجب; لأنه أوجبه على نفسه ، والوصية بالعتق عدة إن شاء رجع فيها ، قال الشيخ رحمه الله تعالى : الأمر في هذين العتقين في موجب اللسان واحد; لأن معنى القول أنت مدبر أو معتق عن دبر مني ، أي : إذا أدبرت عن الدنيا ، فقوله : أنت معتق ، إذا مت أو إذا أدبرت عن الدنيا واحد .

                                                                                                                                                                                        والوصية بالعتق على ثلاثة أوجه : فإن كانت في المرض أو عند سفر كان له أن يرجع عنها ، وإن لم يبرأ من ذلك المرض ، ولا قدم من ذلك السفر .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا قال ذلك وهو صحيح مقيم ، فقال ابن القاسم له أن يرجع فيها ، وقال أشهب : ليس له ذلك وهو التدبير إلا أن يقول ذلك ، لما جاء في الخبر أنه لا ينبغي لأحد أن يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة ، وهذا هو الأصل عند عدم العادة; لأنه عتق معلق بأجل ، ولا فرق بين أن يعلقه بموته أو [ ص: 3906 ] بموت فلان أو إلى سنة ، وقول ابن القاسم أحسن للعادة ، وقد استمر في الناس أن للموصي أن يغير وصيته متى أحب .

                                                                                                                                                                                        ومحمل قول مالك في التدبير أنه لا يغير للعادة عنده أن القائل لذلك ألقى الكلمة على الأصل أنه أعتق إلى أجل ، ولو قال السيد : قلت ذلك ، وجعلت لنفسي أن أغيره متى شئت ولا بينة عليه حين التدبير ، لقبل قوله .

                                                                                                                                                                                        وقد يحمل الحديث في بيع النبي - صلى الله عليه وسلم - المدبر أن التدبير كان عندهم على مقتضى اللسان أنه عتق معلق بموت صاحبه ، وأن القائل لذلك يقصد إلى ما ندبهم الله إليه من الوصية ، ولا فرق عندهم بين اللفظين ، ولو قصد الإيجاب لم يبعه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأيضا فإنها نازلة في عين ، ولم يقل من دبر عبده لم يلزمه .

                                                                                                                                                                                        والثالث : أنه لم تختلف الأخبار أن الرد والبيع من النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير أن يدعو إلى ذلك المال ، وفي ذلك دليل على أن ذلك لأمر أوجبه; لأنه لا يختلف بعد القول أنه عقد غير لازم أنه يجوز البقاء عليها كالوصايا ، وأنه إن رجع عن ذلك العقد لم يجب أن يخرج من يديه فيباع عليه .

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف في الوجه الذي لأجله كان البيع ، فذكر النسائي عن جابر أنه كان محتاجا وعليه دين ، وفي مسلم قال : "لم يكن له مال غيره ، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 3907 ] فقال : "من يشتريه مني؟ " فاشتراه نعيم بن النحام بثمانمائة درهم ، فدفع إليه ، ثم قال : ابدأ بنفسك فتصدق عليها ، فإن فضل شيء فلأهلك ، فإن فضل شيء عن أهلك فلذي قرابتك ، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا ، يقول : فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك" .

                                                                                                                                                                                        ففي هذا دليل أن ذلك كان عندهم كالوصايا فندبه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ما هو أولى وألا يضيق على نفسه وعلى أهله ، وهذا كقوله - صلى الله عليه وسلم - : "لا صدقة إلا عن ظهر غنى ، وابدأ بمن تعول" . أخرجه البخاري ومسلم .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية