الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 468 ]

                الفصل الرابع

                في اللغات

                وهي جمع لغة ، وهي : الألفاظ الدالة على المعاني النفسية ، واختلافها لاختلاف أمزجة الألسنة ، لاختلاف الأهوية وطبائع الأمكنة .

                التالي السابق


                " الفصل الرابع "

                يعني من فصول المقدمة " في اللغات ، وهي - يعني اللغات - جمع لغة " . قال الجوهري : اللغة أصلها : لغي أو لغو .

                قلت : أما احتمال كونها من ذوات الياء أو الواو ، فهو متجه ظاهر ، وأما كونها على مثال فعل - بضم الفاء وسكون العين بدون تاء التأنيث - ففيه نظر ، والأشبه أن أصلها لغية ، كدمية ، أو لغوة ، كعروة ، وجمعها لغى ، مثل برة ويرى ولغات مثل : ثبة وثبات ، وكرة وكرات .

                واعلم أن الكلام في اللغات هو كالمدخل إلى أصول الفقه من جهة أنه أحد مفردات مادته ، وهي الكلام والعربية وتصور الأحكام الشرعية .

                فأصول الفقه متوقفة على معرفة اللغة لورود الكتاب والسنة بهما ، اللذين هما أصول الفقه وأدلته ، فمن لا يعرف اللغة لا يمكنه استخراج الأحكام من الكتاب [ ص: 469 ] والسنة .

                وقد كان ينبغي بموجب هذا أن يقدم الكلام في اللغات على غيره من الفصول المتقدمة تقديم مادة الشيء عليه ، لكن قد بينت أني أقررت ترتيب أصل هذا " المختصر " على حاله غالبا .

                قوله : " وهي " - يعني اللغة - هي " الألفاظ الدالة على المعاني النفسية " .

                يعني المتكلم يقوم بنفسه معاني ، بمعنى أنه يتصورها كتصوره لمعنى قيام زيد ، وضرب عمرو ، وحسن العلم ، وقبح الجهل . فيعبر عن تلك المعاني بألفاظ تدل عليها ، كقوله : قام زيد ، وضرب عمرو ، والعلم حسن ، والجهل قبيح . فتلك الألفاظ الدالة على تلك المعاني هي اللغة .

                قوله : " واختلافها لاختلاف أمزجة الألسنة ، لاختلاف الأهوية وطبائع الأمكنة " .

                أي : واختلاف اللغات إلى عربي وأعجمي وغير ذلك من أصناف اللغات علته وسببه اختلاف أمزجة الألسنة ، واختلاف أمزجة الألسنة علته وسببه اختلاف الأهوية وطبائع الأمكنة ، فإذا غلب البرد مثلا على مكان ، برد هواؤه ، وطبع البرد التكثيف والتثقيل ، لأن العنصرين الباردين ، وهما : الماء والأرض ، ثقيلان كثيفان . والماء أشدهما بردا ، والأرض أشدهما كثافة ، فيغلب الثقل على ألسنة أهل ذلك البلد ، فيثقل النطق على ألسنتهم ، ثم يضعون الألفاظ المخصوصة للمعاني المخصوصة ، فيجيء النطق بها ثقيلا ، كالعجمي ، والتركي ، وغيرهما . وإذا غلب الحر على مكان ، سخن هواؤه ، وطبع الحرارة التخفيف والتحليل والتلطيف ، فتغلب الخفة على ألسنة [ ص: 470 ] أهل ذلك المكان ، فيخف النطق على ألسنتهم ، ثم يضعون الألفاظ المخصوصة للمعاني المخصوصة ، فيجيء النطق بها خفيفا سمحا سهلا ، كاللغة العربية . ولهذا كانت أفصح اللغات وأحسنها وأشرفها ، وحصل الإعجاز والتحدي بكلام الله تعالى النازل بها دون كلامه النازل بغيرها ، مع أنه قد كان في قدرة الله سبحانه وتعالى أن يعجز أهل كل لسان بما ينزله من كلامه بذلك اللسان . وهذا التقرير أشار إليه الأطباء ، منهم : صاحب " الإقناع " .




                الخدمات العلمية