الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقد اعترض الرازي على ما قرره ابن سينا، من كون علمه بذاته يستلزم علمه بمفعولاته. فقال في شرحه: كنا قد بينا في الأبواب السالفة أنه علام بذاته وبسائر المعلومات، والآن نريد أن نبحث عن كيفية حصول تلك العالمية له فنقول:

قد بينا قبل هذا الفصل أن علمه بالأشياء لا بد وأن يكون [ ص: 118 ] حاصلا له لذاته. فنقول: إنه يجب أن يعلم ذاته بذاته، ثم إذا علم ذاته، فذاته علة لما بعده، يجب أن يعلم من ذاته كونه علة لما بعده، فإذا علم ذاته علم لا محالة معلوله. ثم يلزم من علمه بمعلوله، علمه بسائر المعلولات النازلة من عنده طولا وعرضا. وأما طولا فكالعقول التي كل واحد منها علة للعقل الذي تحته، وأما عرضا فكما إذا صدر شيئان أو أكثر عن علة واحدة، كما يقال: إنه يصدر عن كل عقل: عقل، ونفس، وفلك، معا.

قال: ولقائل أن يقول: لم قلتم: إن علمه بذاته يقتضي علمه بمعلوله؟ بيناه: أنكم إما أن تقولوا: إن علمه بذاته من حيث إنها تلك الذات المخصوصة علة لعمله بمعلوله، أو تقولوا إن علمه بذاته، من حيث إنها علة لذلك المعلول، يقتضي وجوده بذلك المعلول، والأول ممنوع، فلم قلتم: إن علمه بذاته المخصوصة -التي من جملة لواحقها واعتباراتها كونها علة لذلك المعلول- [ ص: 119 ] يقتضي العلم بذلك المعلول؟

وظاهر أن هذه المقدمة ليست بدهية، بل لا بد فيها من الدلالة، وأنتم ما ذكرتم الدلالة عليها.

وأما الثاني فباطل؛ لأن علمه بأن ذاته علة للشيء الفلاني، علم بإضافة مخصوصة بين ذاته وبين ذلك الشيء، والعلم بإضافة أمر إلى أمر مسبوق بالعلم بكل واحد من المضافين، فلو كان العلم بذلك المعلول مستفادا من العلم بتلك الإضافة، لزم الدور، وأنه محال.

التالي السابق


الخدمات العلمية