الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وقد بين سبحانه وتعالى: أنه أنزل الكتاب على محمد - صلى الله عليه وسلم – ليكون جامعا لما سبقه مبينا الحق فيه فقال:

                                                          وما أنـزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون .

                                                          [ ص: 4207 ]

                                                          ولقد بين سبحانه وتعالى أن الكتاب مهيمن على الكتب التي قبله، وحاكم على الناس فيما اختلفوا فيه، وما يختلفون إلى يوم القيامة، فإن رجعوا إليه اهتدوا إلى الحق، وإلا فهم في ضلال بعيد.

                                                          قال سبحانه: وما أنـزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه فقد اختلفوا في البعث، وقالوا: عيسى ابن الله، وقالوا: عزير ابن الله، وحرفوا في الرسالات، وبدلوا وغيروا، وأحل اليهود الربا، وقد حرم عليهم، وأكلوا السحت والرشا، فكان لا بد من مرجع يرجع إليه في معرفة الحق فيما اختلفوا فيه، فكان محمد الذي نزل القرآن عليه هو المبين، وأسند البيان إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أن المبين هو القرآن وذلك لسببين:

                                                          السبب الأول: بيان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو من القرآن، وإن القرآن نزل من عند الله تعالى عليه.

                                                          والسبب الثاني: أن القرآن يحتاج إلى مبلغ يبلغ حقائقه، ويعلم الناس به، يبين مجمله، ويخص عمومه، ذلك المبلغ هو النبي - صلى الله عليه وسلم - ولذا أضيف التبيين إليه - صلى الله عليه وسلم -، وهو تكليف كلفه. وقوله تعالى: وهدى ورحمة لقوم يؤمنون هنا أمران في القرآن غير الأمر الأول، وهو أن فيه بيانا للشرائع السائغة، وما اختلفوا فيه حولها، فهو شاهد على الكتب السابقة، ومبين الحقائق في الرسالات الإلهية، وحكم عليها، لأنه آخر لبنة في صرح النبوة، وهو كمال الرسالات كلها.

                                                          وهو أيضا هدى ورحمة - ففيه الهداية من الضلال في متاهات الأوهام، فيه التوحيد، وقد زينت الأوهام الشرك، وفيه تحريم ما لم يحله الله، وإحلال الحلال وتبيين الحرام، فهو الهادي المرشد، كما قال الحق: إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا

                                                          [ ص: 4208 ] وفيه الرحمة، وهي شريعته المحكمة، فهي رحمة للناس، وهي الشفاء لأدوائهم والرحمة بالمهديين منهم؛ ولذا قال تعالى: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ففيها الرحمة بالمجتمع، وفي عقوباتها الزاجرة رحمة بالكافة، ووصفه سبحانه بأنه هدى كأنه ذاته هداية ورحمة لفرط ما فيه من هداية ورحمة.

                                                          وهنا أمران بيانيان يشير إليهما سبحانه:

                                                          الأمر الأول - أن قوله تعالى: وما أنـزلنا عليك الكتاب فيه نفي وإثبات، وهو يفيد الحصر، أي: ما أنزلنا عليك الكتاب إلا لبيان ما جاء به من رسالات للأمم، ولما فيه من هدى ورحمة وشريعة محكمة صالحة، وفيه إشارة إلى أن هذا الكتاب خاتم الرسالات.

                                                          الأمر الثاني - أنه سبحانه وتعالى ذكر الكتاب معرفا بـ(أل) الدالة على كماله، وإنه الكتاب الجدير بأن يسمى كتابا وحده، وقد بين سبحانه أن هدايته ورحمته لمن يؤمن به ويذل ويذعن لحقائقه، وينفذ أحكامه بحذافيرها لا يغادر منها صغيرة ولا كبيرة إلا نفذها؛ لأنه خير كله، والله أعلم.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية