الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وقد ذكر سبحانه نعمة أخرى للماء ينزل على الأرض فقال:

                                                          ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون .

                                                          فذكر سبحانه وتعالى أن المطر ينزل فيكون الزرع ويكون العشب الكثير ومن هذا العشب يأكل الغنم، وفيها أن الله تعالى يسقينا من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين.

                                                          وقد بين بعد ذلك الثمرات التي تؤخذ من الأشجار، فقال عز من قائل:

                                                          ومن ثمرات النخيل والأعناب هنا كلام محذوف تقديره: يتخذون ما تتخذون مما يسخر لكم منها فتأخذون ثمرات طيبات وأكلها حلو دائم، وأنكم تتخذون منه سكرا، أي شيئا مسكرا، والمسكر مبغض إلى أهل الإيمان، وهي تدل على أن الخمر مشروب غير مباح، وإذا كان قد ترك زمانا فهو في هذه الأزمان كان محل عفو، حتى جاء التحريم القاطع الذي لا ريب فيه في آية سورة المائدة، كما بينا ذلك في موضعه.

                                                          وإن السكر مقابل بالرزق الحسن، فيكون السكر رزقا غير حسن، وإذا كانت هذه السورة مكية؛ فإن معنى مجيء هذا الكلام في سورة مكية يدل على أن القرآن الكريم ومحمدا - صلى الله عليه وسلم - لم ينظر إلى الخمر نظرة رضا، أو نظرة غير كارهة، بل نظرته لها نظرة كارهة من أول مجيء الإسلام إلى أن بين الله فيها بيانا شافيا بالتحريم القاطع.

                                                          ويلاحظ أن الله تعالى ذكر النخيل والأعناب في هذه الآية ولم يذكر غيرهما؛ لأنهما كانا الكثير عند العرب، وهناك نعم أخرى كثيرة في أغراس كثيرة، كالرمان والتفاح، وغيرهما من الأغراس التي يتخذ منها سكرا ورزقا حسنا. وقد قال [ ص: 4213 ] تعالى: إن في ذلك لآية أي: في هذا الذي ذكره الله تعالى لآية دالة على قدرة الخالق لقوم يعقلون أي: يعملون عقولهم، وذكر الفعل في نهاية الآية التي جاء فيها السكر، إيماء إلى ما يفعله السكر في العقول.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية