الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وقوله تعالى: جعل لكم من أنفسكم ، أي: خلق لكم من ذات أنفسكم أزواجا، فتضمنت معنى الخلق، وصيرورتها زوجا، كما في قوله: هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها

                                                          وإن هذه الآية وما يماثلها من الآيات تدل على أن الزوجة خلقت من ذات الزوج ونفسه، وأنهما أصل الوجود الإنساني وأن عمران الأرض ابتدأ بالأسرة، والأسرة هي وحدة الجماعة الإنسانية، واللبنة الأولى في بنائه، وقد ابتدأ بالأسرة ومنها تتوالد الأسر فقال سبحانه: وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة والحفدة جمع حافد ككتبة جمع كاتب، والحافد هو المسرع في الطاعة والخدمة، ومنه قول القانت في قنوته: " وإليك نسعى ونحفد "، والحفدة تشمل أولاد الأبناء وأولاد البنات.

                                                          والكلام في الذرية الذين يتوالدون من الزوجين، وحكى الزمخشري قولا غريبا فقد جاء فيه " وقيل: وجعل لكم الغنى وجعل لكم حفدة، أي: خدما يحفدون في مصالحكم ويعينونكم " وهو قول غريب بعيد عن معنى الآية؛ لأن الآية في بيان التوالد الإنساني من الزوجين والبنين والأحفاد، كقوله فيما تلونا وبث منهما رجالا كثيرا ونساء فما مناسبة الخدمة وهم أناسي كسائر الأناسي، ولا يكون نعمة على الجميع أن يكون بعضهم خدما؟!.

                                                          وإنه سبحانه وقد عمر الكون الإنساني بهذا التناسل الذي باركه رب العالمين فلم يخرجهم إلى الوجود غير مرزوقين محرومين، بل خلق معهم أرزاقهم، ورزقكم من الطيبات و (من) هنا بيانية، والمعنى رزقكم الطيبات، والطيبات [ ص: 4221 ] هي الأطعمة والزينة واللبس، والكسب الحلال، كما قال تعالى: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق والطيبات هي غير الخبائث، وهي الأمور المقززة التي تعافها النفس كالميتة والدم ولحم الخنزير، كما قال الله تعالى في وصف النبي الأمي في بشارة التوراة والإنجيل به: الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث

                                                          ومع أنه أنعم عليهم بنعمة الوجود ونعمة التوالد، وأكرمهم بالرزق الطيب الحلال، كما قال تعالى: وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها

                                                          مع كل هذا أشركوا بالله، واتبعوا الباطل وكفروا بالحق، فقال تعالى:

                                                          أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون الفاء للإفصاح عن شرط مقدر، وتقديم (بالباطل) على الفعل؛ للإشارة إلى أنهم لا يؤمنون إلا بالباطل، ولا يؤمنون بحق قط، وبنعمة الله نعمة الإيجاد والرزق يكفرون ولا يشكرون، وأكد سبحانه كفرهم بالنعمة بتقديم النعمة على الفعل، وبالضمير (هم) والجملة الاسمية.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية