الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          بعد ذلك بين الله تعالى حالهم بعد البعث، فقال:

                                                          ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون .

                                                          الجملة موصولة بما قبلها، على جزاء للكفر، ومعرفة النعم ثم إنكارها، (ويوم) منصوب لفعل محذوف، أي: اذكر اليوم، وذكر اليوم هو ذكر ما يجري فيه من أحداث وبعث ونشور، وحساب وعقاب وثواب، فإذا كانوا ينكرون النعمة، فليذكروا اليوم وما جرى فيه، وقوله تعالى: ويوم نبعث من كل أمة شهيدا والشهيد هو الرسول الذي بعث لها داعيا إلى الحق معرفا به نذيرا وبشيرا وهاديا إلى الله بإذنه، وذكر بعث الرسول ولم يذكر بعث الأمة؛ لأن بعث الشهيد الذي يشهد لها أو عليها هو بعث للأمة، فكان بعث الرسول عليه الدلالة صراحة، وبعث الأمة كان بدلالة الاقتضاء، أو كان ذكر بعث الرسول صراحة لبيان مقام الرسول عند الله، ولبيان أن الرسول الذي يدعوكم هو الذي يشهد لكم وعليكم وعنكم يوم الحساب، فأجيبوا داعي الله إذ يدعوكم له لتنجوا من عذاب الله تعالى، وقوله تعالى: ثم لا يؤذن للذين كفروا التعبير بـ (ثم) هنا الدالة على التعقيب والتراخي؛ للدلالة على أنهم بعد شهادة النبيين طلبوا أن يعتذروا، فلم يقبل منهم، ولمقام هذا الكلام المطوي كان العطف بـ (ثم) الدالة على التراخي، فلا يؤذن لهم لأنه لا حاجة إلى مخاصمة كما هو شأنهم في الدنيا، بل إن الله عليم بهم، وشهادة أنبيائهم فيهم صادقة غير مكذوبة كما كانوا يتوهمون في الدنيا.

                                                          [ ص: 4242 ] وكما أنهم لا يمكنون من القول والمخاصمة؛ لأن القيامة ليست مثل الدنيا مغالبة بالبيان، كذلك لا يستعتبون، أي: لا يمكنون من الاستعتاب، وهو الاسترضاء، إذ الاستعتاب هو طلب العتب، وهي الرضا، فهم لا يمكنون منها؛ لأنه قد انتهى وقت التكليف والإرضاء ولم يبق إلا الجزاء.

                                                          وفي قوله تعالى: لا يؤذن للذين كفروا فيه إظهار في موضع الإضمار؛ وذلك لأن الموصول جاء في موضع الضمير، وذلك للإشارة إلى أن السبب في عدم الإذن لهم بالاعتذار، وأنهم لا يمكنون من الاستعتاب، هو كفرهم الذي عاندوا به النبيين، وقد قال تعالى في أحوالهم يوم القيامة:

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية