الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وقد ذكر سبحانه وتعالى بعد صالح الأعمال والأقوال وهو أعلاها، قراءة القرآن وذكره فقال تعالى:

                                                          فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم .

                                                          ذكر الله تعالى بعد الصالح من الأعمال والأقوال والإصلاح بين الناس قراءة القرآن، فقال: فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم

                                                          [ ص: 4266 ] ذلك لأن قراءة القرآن ذكر لله، واستماع لحديث الله وترداد له، فهو إصلاح للقلوب وللنفوس، ولم يطلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين قراءته بل إن الإيمان يقتضي قراءته؛ لأنه أحسن الحديث، بل كان الأمر بقراءته ضمنيا في ضمن الأمر بالاستعاذة من الشيطان الرجيم، وكان أمرا بالقراءة والاستعاذة معا، وفيه فائدة أن القراءة لا تجدي جدواها إلا إذا كانت معها الاستعاذة الحقيقية من الشيطان بإبعاد وساوسه في تمنيات الإنسان؛ إذ إن الأماني ذريعة الشيطان، يدخل قلب المؤمن من جانبها كما أتى قلبي آدم وحواء بالأماني، ثم سول لهما الأكل من الشجرة، (الفاء) في قوله: فاستعذ هي فاء الإفصاح لأنها تفصح عن شرط مقدر، أي إذا اتجهت بالعمل الصالح والقول الصالح إلى القرآن فإذا قرأت القرآن

                                                          و قرأت هنا تطوي في ذاتها نية القراءة أي: إرادتها، فمعنى فإذا قرأت أي: أردت القراءة، كما في قوله تعالى: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وكقوله تعالى: وإذا قلتم فاعدلوا وكقوله تعالى:

                                                          وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل وقوله في شأن حجاب نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - عن السائلين متاعا وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ففي كل هذه الآيات ذكر الفعل وطويت النية والإرادة؛ لأنها ملازمة له ومقترن بها لا بتحقق من غيرها، بل الإرادة والنية هما الحقيقتان والقول مظهرها ولا ينفصل الباعث عن المظهر إذا كانا متصلين في الوجود، ولذا كانت الاستعاذة مقدمة على القراءة بإجماع العلماء، ومنهم من جوز الاستعاذة بعد القراءة، والاستعاذة معناها الالتجاء إلى الله تعالى، والابتعاد عن وسوسة الشيطان وقت القراءة، ووسوسته تجيء من بث الأماني في النفس، وقد قلنا إنها ذريعة الشيطان وطريق دخول الهوى إلى النفس و الرجيم معناه المطرود الملقى عليه الحجارة، تثبيتا للإبعاد والطرد، والخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ابتداء، ولأمته تبعا، وهم من يقتدي ويتبع، فالأمر بالاستعاذة أمر للأمة كلها، وهي بها أجدر وأحق.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية