الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          باب ذكر تغليظ اللامات

                                                          تقدم أن تغليظ اللام تسمين حركتها . والتفخيم مرادفه ، إلا أن التغليظ في اللام والتفخيم في الراء . والترقيق ضدهما . وقد تطلق عليه الإمالة مجازا . وقولهم : الأصل في اللام الترقيق أبين من قولهم في الراء إن أصلها التفخيم ، وذلك أن اللام لا تغلظ إلا لسبب ، وهو مجاورتها حرف الاستعلاء وليس تغليظها إذ ذاك ، بلازم ، بل ترقيقها إذا لم تجاور حرف الاستعلاء اللازم .

                                                          وقد اختص المصريون بمذهب عن ورش في اللام ، ولم يشاركهم فيها سواهم . ورووا من طريق الأزرق ، وغيره عن ورش تغليظ اللام إذا جاورها حرف تفخيم واتفق الجمهور منهم على تغليظ اللام إذا تقدمها صاد ، أو طاء ، أو ظاء بشروط ثلاثة ، وهي : أن تكون اللام مفتوحة وأن يكون أحد هذه الحروف الثلاثة مفتوحا

                                                          [ ص: 112 ] ، أو ساكنا ، واختلفوا في غير ذلك . وشذ بعضهم فيها بما لم يروه غيره وسيرد عليك جميع ذلك مبينا .

                                                          ( أما الصاد )المفتوحة فتكون اللام بعدها مخففة ومشددة فالوارد من المخففة في القرآن الصلاة ، و صلوات ، و صلاتهم ، و صلح ، و فصلت و يوصل ; و فصل طالوت ، و فصل ، و مفصلا ، و مفصلات ، و ما صلبوه والوارد من المشددة صلى ، و يصلي ، و مصلى ، و يصلبوا .

                                                          ووردت مفصولا بينها وبين الصاد بألف في موضعين ( يصالحا ) ، و فصالا .

                                                          ( والصاد ) الساكنة الوارد منها في القرآن تصلى . و سيصلى . و يصلاها . و سيصلون و يصلونها و اصلوها ، و فيصلب . و من أصلابكم . و أصلح . و أصلحوا . و إصلاحا و الإصلاح وفصل الخطاب .

                                                          ( وأما الطاء ) المفتوحة فتكون اللام بعدها أيضا خفيفة وشديدة . فالوارد في القرآن من الخفيفة الطلاق . و انطلق و انطلقوا . و اطلع . و فاطلع . و بطل ، و معطلة ، و طلبا والوارد من الشديدة المطلقات . و طلقتم و طلقكن . و طلقها ووردت مفصولا بينها وبين اللام في حرف واحد ، وهو طال والطاء الساكنة الوارد منها في القرآن موضع واحد ، وهو مطلع الفجر فقط ( وأما الظاء ) فتكون اللام بعدها أيضا خفيفة وشديدة ، فالوارد من الخفيفة في القرآن ظلم ، و ظلموا ، وما ظلمناهم ، ومن المشددة ظلام ، و ظللنا و ظلت ، و ظل وجهه .

                                                          " والظاء الساكنة " ورد منها في القرآن ومن أظلم ، وإذا أظلم ، ولا يظلمون ، فيظللن فغلظ ورش من طريق الأزرق اللام في ذلك كله . وروى بعضهم ترقيقها مع الطاء عنه كالجماعة ، وهو الذي في العنوان والمجتبى والتذكرة ، وإرشاد ابن غلبون ، وبه قرأ الداني على شيخه أبي الحسن بن غلبون ، وبه قرأ مكي على أبي الطيب إلا أن صاحب التجريد استثنى من قراءته على عبد الباقي من طريق ابن هلال الطلاق ، و طلقتم ، ومنهم من رققها بعد

                                                          [ ص: 113 ] الظاء ، وهو الذي في التجريد وأحد الوجهين في الكافي . وفصل في الهداية فرقق إذا كانت الظاء مفتوحة نحو : ظلموا ، وظللنا وفخمها إذا كانت ساكنة نحو : أظلم ، و يظللن . وذكر مكي ترقيقها بعدها إذا كانت مشددة من قراءته على أبي الطيب قال : وقياس نص كتابه يدل على تغليظها وإن كانت مشددة .

                                                          وقال الحافظ أبو عمرو الداني ما نصه : وجماعة من أصحاب ابن هلال كالأذفوي لا يفخمها إلا مع الصاد المهملة . ( واختلفوا ) في ما إذا وقع بعد اللام ألف ممالة نحو : صلى ، و سيصلى ، و مصلى ، و يصلاها . فروى بعضهم تغليظها من أجل الحرف قبلها . وروى بعضهم ترقيقها من أجل الإمالة ففخمها في التبصرة ، والكافي ، والتذكرة ، والتجريد ، وغيرها . ورققها في المجتبى ، وهو مقتضى العنوان ، والتيسير ، وهو في تلخيص أبي معشر أقيس . والوجهان في الكافي ، وتلخيص ابن بليمة ، والشاطبية ، والإعلان ، وغيرها . وفصل آخرون في ذلك بين رءوس الآي ، وغيرها . فرققوها في رءوس الآي للتناسب وغلظوها في غيرها لوجود الموجب قبلها ، وهو الذي في التبصرة ، وهو الاختيار في التجريد والأرجح في الشاطبية . والأقيس في التيسير ، وقطع أيضا به في الكافي إلا أنه أجرى الوجهين في غير رءوس الآي والذي وقع من ذلك رأس آية ثلاث مواضع : فلا صدق ولا صلى في القيامة وذكر اسم ربه فصلى في سبح إذا صلى في العلق . والذي وقع منه غير رأس آية سبعة مواضع مصلى في البقرة حالة الوقف ، وكذا : يصلى النار في سبح ويصلاها في الإسراء والليل ويصلى في الانشقاق ، و تصلى في الغاشية و سيصلى في المسد . ( واختلفوا ) في ما إذا حال بين الحرف وبين اللام فيه ألف ، وذلك في ثلاثة مواضع : موضعان مع الصاد ، وهما فصالا ، و ( يصالحا ) وموضع مع الطاء ، وهو طال . في طه أفطال عليكم العهد ، وفي الأنبياء حتى طال عليهم العمر ، وفي الحديد فطال عليهم الأمد ، فروى كثير منهم ترقيقها من أجل الفاصل بينهما ، وهو الذي في التيسير ، والعنوان ،

                                                          [ ص: 114 ] والتذكرة ، وتلخيص ابن بليمة والتبصرة ، وأحد الوجهين في الهداية والهادي ، والتجريد ، من قراءته على عبد الباقي ، وفي الكافي ، وتلخيص أبي معشر . وروى الآخرون تغليظها اعتدادا بقوة الحرف المستعلي ، وهو الأقوى قياسا والأقرب إلى مذهب رواة التفخيم . وهو اختيار الداني في غير التيسير . وقال في الجامع : إنه الأوجه . وقال صاحب الكافي : إنه أشهر . وقال أبو معشر الطبري : إنه أقيس . والوجهان جميعا في الشاطبية ، والتجريد ، والكافي ، والتلخيص ، وجامع البيان إلا أن صاحب التجريد أجرى الوجهين مع الصاد ، وقطع بالترقيق مع الطاء على أصله . واختلفوا أيضا في اللام المتطرفة إذا وقف عليها ، وذلك في ستة أحرف ، وهي أن يوصل في البقرة والرعد و فلما فصل في البقرة وقد فصل لكم في الأنعام ، وبطل في الأعراف و ظل في النحل ، والزخرف وفصل الخطاب في ص . فروى جماعة الترقيق في الوقف ، وهو الذي في الكافي ، والهداية ، والهادي ، والتجريد ، وتلخيص العبارات . وروى آخرون التغليظ ، وهو الذي في العنوان والمجتبى والتذكرة ، وغيرها . والوجهان جميعا في التيسير ، والشاطبية ، وتلخيص أبي معشر . وقال الداني : إن التفخيم أقيس في جامع البيان أوجه .

                                                          ( قلت ) : والوجهان صحيحان في هذا الفصل والذي قبله . والأرجح فيهما التغليظ لأن الحاجز في الأول ألف وليس بحصين ، ولأن السكون عارض ، وفي التغليظ دلالة على حكم الوصل في مذهب من غلظ - والله أعلم - .

                                                          واختلفوا أيضا في تغليظ اللام من صلصال ، وهو في سورة الحجر والرحمن وإن كانت ساكنة لوقوعها بين الصادين فقطع بتفخيم اللام فيهما صاحب الهداية ، وتلخيص العبارات والهادي ، وأجرى الوجهين فيها صاحب التبصرة ، والكافي ، والتجريد ، وأبو معشر ، وقطع بالترقيق صاحب التيسير ، والعنوان ، والتذكرة ، والمجتبى ، وغيرها . وهو الأصح رواية وقياسا حملا على سائر اللامات السواكن . وقد شذ بعض المغاربة ، والمصريين فرووا تغليظ اللام في غير ما ذكرنا

                                                          [ ص: 115 ] ، فروى صاحب الهداية ، والكافي ، والتجريد ، تغليظها بعد الظاء والضاد الساكنتين إذا كانت مضمومة أيضا نحو مظلوما و فضل الله ، وروى بعضهم تغليظها إذا وقعت بين حرفي استعلاء نحو خلطوا ، و أخلصوا . و استغلظ ، و المخلصين ، و الخلطاء ، و اغلظ ذكره في الهداية ، والتجريد ، وتلخيص ابن بليمة ، وفي وجه في الكافي ورجحه ، وزاد أيضا تغليظها في فاختلط ، وليتلطف ، وزاد في التلخيص تغليظها في تلظى وشذ صاحب التجريد من قراءته على عبد الباقي فغلظ اللام من لفظ ( ثلاثة ) حيث وقع إلا في قوله عز وجل ثلاثة آلاف ، وثلاث ورباع ، و ظلمات ثلاث ، ظل ذي ثلاث شعب .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية