الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          الرزق الحلال الطيب

                                                          قال الله تعالى:

                                                          [ ص: 4288 ] فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمت الله إن كنتم إياه تعبدون إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنـزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون

                                                          إذا كانت نعمة الله لأهل القرى في الأمن ورغد العيش، فهي نعم لإباحتها، لا لمنعهم منها، ولذا كان النص بإباحتها لتتم نعمته سبحانه على عباده، وكان ابتداء القول بالفاء؛ لأنه مترتب على النعمة، فقال سبحانه:

                                                          فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا الأمر للإباحة لا للوجوب، إلا إذا كان الأمر يطلب الأكل بالكل لا بالجزء، فالأكل بالجزء مباح، أي له أن يأكل من نوع كذا أو كذا أو في وقت كذا دون وقت كذا، فهذا مباح فيه أن يختار ما يشاء، أما ترك الأكل بالكل بألا يأكل قط فحرام، ولذا كان الأكل مباحا بالجزء أو النوع، ومطلوبا طلبا لأمر بالكل، كما أنه محرم أن يحرم صنفا معينا من الحلال على نفسه كالذين حرموا البحيرة والوصيلة والحام، وقد وصف سبحانه وتعالى الأكل الذي وصفه الله تعالى وأعطاه ومكن منه بوصفين:

                                                          الوصف الأول: أنه حلال، والثاني: أنه طيب، والحلال أن يكون كسبه لا خبث فيه، فالكسب بالربا أو الرشوة والميسر، أو التغرير، أو السرقة أو الاغتصاب، أو الخمر كل هذا ليس برزق حلال؛ لأنه كسب خبيث، وكذلك أكل ما سمي عليه اسم غير الله من صنم أو صليب، أو معبود غير الله أيا كان.

                                                          وأما الوصف الثاني؛ فهو أن يكون في ذاته طيبا لا خبيثا في ذاته، فلا يؤكل الخنزير ولا الميتة ولا الدم، ولا ما تعافه النفوس، ومن ذلك سباع الطير، [ ص: 4289 ] وسباع البهائم، فإن لحم هذه وما يشبهه لحم خبيث، فكل ما حرمه سبحانه من مأكول خبيث الذات يضر الجسم وتعافه النفس.

                                                          وإن هذه النعم التي هيأها الله تعالى وأباحها توجب الشكر، ولذا جاء الأمر بالشكر بعد الإباحة، فقال تعالى: واشكروا نعمت الله إن كنتم إياه تعبدون وشكرها بالقيام بالواجبات، من عبادة وامتناع عن الشرك، والتصدق منها لله تعالى، وإطعام القانع والمعتر، وأن يكون كل ذلك لوجه الله تعالى لا يبتغى سواه، ولا يطلب إلا وجهه الكريم.

                                                          ولذا قال بعد ذلك: إن كنتم إياه تعبدون تقديم الضمير يفيد التخصيص، فالمعنى: إن كنتم لا تعبدون إلا الله سبحانه وتعالى. وذكر الوحدانية بعدها فيه إشارة إلى أن تناول هذه النعم من غير تحريم لبعضها، هو من عبادة الله تعالى، ذلك أن الانتفاع بأي نعمة مع الشعور بعظمة المنعم واستحقاقه الشكر، والتناول طاعة لأمره واستجابة لطلبه هذا في عباده، ففي الانتفاع بكل نعمة منحها للاستجابة للمنعم عبادة، حتى في بضع أحدكم صدقة.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية