الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
عبد الرحمن بن أبي ليلى عن المقداد

[ ص: 41 ] 2110 - حدثنا محمد بن المثنى قال : نا أبو عامر عبد الملك بن عمرو قال : نا سليمان بن المغيرة ، عن ثابت - يعني البناني - ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن المقداد قال : أقبلت أنا وصاحبان لي قد ذهبت أبصارنا وأسماعنا من الجوع ، فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس منهم أحد يقبلنا ، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانطلق بنا ، فإذا ثلاثة أعنز ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " احتلبوا هذا اللبن فاقسموه بيننا " فكنا نفعل ذلك ونرفع للنبي صلى الله عليه وسلم فيجيء من الليل فيسلم تسليما ، لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان ، ثم يأتي المسجد فيصلي ، ثم يأتي شرابه فيشرب ، فأتاني الشيطان ذات ليلة ، فقال : محمد يأتي الأنصار فيتحفونه ويصيب عندهم ما به حاجة إلى هذه الجرعة . فما زال عني حتى شربتها ، فلما عرف أني قد واريتها في بطني وعرف أن ليس إليها سبيل ندمني ، وقال : ويحك ما صنعت شربت شراب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيجيء محمد فيدعو عليك فتهلك فتذهب دنياك وآخرتك . وعلي شملة ، إذا رفعتها على رأسي خرجت قدماي ، وإذا أرسلتها على قدمي خرج رأسي ، فجعل لا يجيئني النوم ، وأما صاحبي فناما ولم يصنعا ما صنعت ، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم وأتى المسجد فصلى وأتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئا فرفع رأسه ، [ ص: 42 ] فقلت : الآن يدعو علي فأهلك ، فقال : " اللهم أطعم من أطعمني واسق من سقاني " ، فلما سمعت ذلك شددت علي الشملة وأخذت الشفرة فعمدت إلى الأعنز أنظر وأختار أيتهن أسمن كيما أذبحها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجسستهن فإذا هن حفل كلهن ، فعمدت إلى إناء لآل محمد ما كانوا يطمعون أن يحلبوا فيه ، فحلبت فيه حتى علته الرغوة ، فجئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أما شربتم شرابكم " فقلت : يا رسول الله اشرب ، فشرب ، ثم ناولني ، فقلت : اشرب ، فشرب ، ثم ناولني ، فأخذت ما بقي ، فلما عرفت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد شرب ، وأمنت دعوته ، ضحكت حتى ألقيت إلى الأرض ، فقال : " إحدى سوآتك يا مقداد ؟ " ، فقلت : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من أمري كذا وكذا فحدثته بالذي صنعته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما كان هذا إلا رحمة من الله ، ألا كنت آذنتني فنوقظ صاحبينا ؟ " فقلت : والذي بعثك بالحق ما أبالي إذا أصبت منها ، وأصبت منها من أصاب من الناس .

[ ص: 43 ] وهذا الكلام لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن المقداد وحده ، ولا نعلم له إسنادا عن المقداد إلا هذا الإسناد .

التالي السابق


الخدمات العلمية