الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وإنه من ثمرة هذه الخصال الكريمة، وأنه هو الذي وفى، وأتى بكل الطاعات أتاه الله تعالى خير الدنيا والآخرة.

                                                          فقال تعالى:

                                                          وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين .

                                                          الحسنة هي النعمة التي تحسن فيها أمور الدنيا من حياة فاضلة هي الخير كله، وقد أعطى الله تعالى إبراهيم تلك الحياة الحسنة الطيبة فرزقه الولد بعد حرمان [ ص: 4299 ] طويل، ولم يهبه إلا على الكبر، كما قال: الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق وشكر النعمة، واختبر بالفداء بذبح ولده فقبل راضيا، ثم فداه رب العالمين بذبح عظيم ووفقه في بناءالكعبة، وأمده بعمر طويل كله كان في الخير وعمل الصالحات، و " خير الناس من طال عمره وحسن عمله " ، وجعله أبا الأنبياء وشعر بذلك في حياته فقد كانوا من أولاده، وقد نالوا منزلة النبوة، فكان إسماعيل من ذريته النبي الهاشمي الأمي، ومن ذرية إسحاق كان أنبياء بني إسرائيل، وجعل الله له كما طلب لسان صدق في الآخرين فكان كل أهل الديانات يتولونه، ويعتزون بالنسب إليه وأنه مع النعم التي أنعمها سبحانه وتعالى عليه كان شاكرا لأنعمه.

                                                          ولذلك حسنت حياته فقال تعالى: وإنه في الآخرة لمن الصالحين ذكر ذلك الكريم الحنان المنان على أنه خبر لا إيتاء، وكأنه نتيجة لما كان منه في الدنيا ولم يذكر أنه عطاء من الله تعالى، وإن الله له المن والفضل، ولم يذكر ذلك ليبين سبحانه وتعالى أن الله تعالى يعطي الناس على قدر شكرهم: لئن شكرتم لأزيدنكم وأن خير الآخرة ثمرة عمل الدنيا وكله بفضل الله وعطائه وعليه فليتوكل المتوكلون

                                                          وقد أكد أنه في الآخرة من الصالحين بالجملة الاسمية، و(إن) المؤكدة ولام التوكيد، وأنه في صف الصالحين، والصالحون في الآخرة هم المقربون الذين يفوزون بنعيم الجنة وينظر إليهم ويرضى عنهم، ورضوان من الله أكبر. وإن ما دعا إليه إبراهيم - عليه السلام - هو ما يدعو إليه محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ ولذا قال تعالى:

                                                          [ ص: 4300 ]

                                                          إن المشركين كانوا يفاخرون الناس بأنهم من ذرية إبراهيم، فالنبي يقرهم على هذا الشرف النسبي، والله تعالى يدعوهم إلى اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن الإسلام الذي جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمي هو ملة إبراهيم ودينه، والقرآن وحي الله تعالى هو الذي يدعو إلى اتباع ملة إبراهيم، فأنتم إذ تشركون، وإذ تعاندون النبي - صلى الله عليه وسلم - تعاندون إبراهيم وتكفرون بشرف انتسابكم إليه عليه السلام، وتمسككم بإقامة نسكه، واعتزازكم ببيت الله الحرام الذي بناه، وجعله الله مثابة للناس وأمنا،

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية