الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          قال تعالى: وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا أي تقدم إليهم في كتابهم الذي نزل عليهم، كما قال تعالى: وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين وقيل أوحينا إليهم علما مقطوعا مبتوتا، ولا شك أن الوحي هنا توجيه نفسي، وتصريف للقلوب؛ لأنها غوت وضلت، وما كان الله تعالى يوحي بفساد وإنما هو من إغواء الشيطان. والكتاب هو ما قدره الله تعالى في اللوح المحفوظ.

                                                          وقد التفت سبحانه وتعالى في تصريف بيانه الحكيم من الغيبة إلى الخطاب فقال: لتفسدن في الأرض مرتين وهذا موضع الإعلام الذي هو معنى ما قضاه الله وتقدم به إليهم في لوحه المحفوظ، واللام لام القسم، والنون نون التوكيد الثقيلة التي تقترن بالقسم وجوبا، والقسم من الله تعالى تأكيد لوقوع الأمر، كما أقسم سبحانه وهو أنهم «يفسدون في الأرض مرتين»، وذكر سبحانه أن فسادهم تكون عاقبته أنه يعم الأرض، أي أرض بيت المقدس، أو يسري في الأرض التي تقاربه، أما ما حول بيت المقدس فهو مبارك ببركة الله تعالى، كما قال في أول السورة: الذي باركنا حوله والفساد بان لهم، ممن على شاكلتهم في الأرض، وقال سبحانه وتعالى مقسما: ولتعلن علوا كبيرا فقرن علوهم بفسادهم، وذلك لما استمكن في قلوبهم من الحسد والحقد، وإن اقتران علوهم بالفساد يفيد أمرين:

                                                          الأمر الأول: أن علوهم يعقبه طغيان، والطغيان يعقبه الفساد.

                                                          [ ص: 4334 ] الأمر الثاني: أن علوهم فيه اعتداء فاجر، فاعتداؤهم بقتل الأنبياء وأكلهم الربا والسحت وأن يقتل بعضهم بعضا، ويلاحظ أنه ذكر الفساد مرتين، ولم يذكر عدد العلو لأنه لا عدد له إن وجدت أسبابه.

                                                          ووصف الله تعالى علوهم بأنه يكون علوا كبيرا؛ وذلك لأنه يكون على أيدي أنبياء، وسرعان ما تعود إليهم نفوسهم الآثمة فيقتلون ما أعلاهم به الأنبياء إلى فساد وانحراف، ألم تروهم بعد أن أنقذهم الله تعالى من فرعون، وأغرقه وملأه رأوا قوما يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة وعبدوا العجل في غيبة موسى وقد ذهب على موعد من ربه.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية