الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
فيقال لهم: أنتم معترفون بالاختيار كما تقدم التصريح عنكم: بأن هذه الحكم ضرورة من قبل فاعل قاصد لذلك مريد له، وهذا موجود في عامة كتب الفلاسفة، وأعظمهم قدرا هم الإلهيون المشاؤون، وهم أعظم الناس تصريحا بذلك، وكذلك الطبائعيون حتى محمد بن زكريا الرازي، وأمثاله.

[ ص: 24 ] ثم يقال: ثبوت القصد والاختيار كثبوت الواجب القديم كما تقدم بيانه، فقد ثبت بالعلوم الضرورية وبالمقاييس البرهانية وبالاتفاق وجود الفاعل القاصد لهذه الحكم المريد لها، كما ثبت كذلك وجود الموجود القديم الواجب بنفسه، وحينئذ فالقدح في ثبوت الفاعل المختار: كالقدح في ثبوت [ ص: 25 ] الموجود القديم الواجب بنفسه، وهذا إنما يمكن بإنكار وجود هذه الموجودات المحسوسة، وهذا في غاية البيان والإحكام والإتقان. ويقال لهم حينئذ: فهذا القصد والإرادة يستلزم ما ذكرتموه سواء بسواء، فما كان جوابكم عن ذلك فهو جواب لمن قال بحدوث العالم سواء.

وأما في "مسألة السبب الحادث" إذا ثبت أنه فاعل بالقصد والإرادة وأن له عناية بالمفعولات لزمكم كل ما ألزمتموه لغيركم، فإن ابن رشد الحفيد قال في إلزامه للمتكلمين: (وأيضا فإن الإرادة التي تتقدم المراد وتتعلق به بوقت مخصوص لا بد أن يحدث فيها في وقت إيجاد المراد عزم على الإيجاد لم يكن قبل ذلك الوقت؛ لأنه إن لم يكن في المريد في وقت الفعل حالة زائدة على ما كانت عليه في الوقت الذي اقتضت الإرادة [ ص: 26 ] عدم الفعل لم يكن وجود ذلك الفعل في ذلك الوقت أولى من عدمه فيما تقدم ).

فيقال لهم: فحينئذ يجب أن يتجدد له عزم في وقت حدوث هذه الحوادث وحكمها، وحينئذ فالقول في حدوث ذلك العزم كالقول فيما طلبتموه من السبب الحادث للعالم.

التالي السابق


الخدمات العلمية