الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ حوج ]

                                                          حوج : الحاجة والحائجة : المأربة ، معروفة . وقوله تعالى : ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم قال ثعلب : يعني الأسفار ، وجمع الحاجة حاج وحوج ؛ قال الشاعر :


                                                          لقد طال ما ثبطتني عن صحابتي وعن حوج ، قضاؤها من شفائيا



                                                          وهي الحوجاء ، وجمع الحائجة حوائج . قال الأزهري : الحاج جمع الحاجة ، وكذلك الحوائج والحاجات ؛ وأنشد شمر :


                                                          والشحط قطاع رجاء من رجا     إلا احتضار الحاج من تحوجا



                                                          قال شمر : يقول إذا بعد من تحب انقطع الرجاء إلا أن تكون حاضرا لحاجتك قريبا منها . قال : وقال رجاء من رجا ، ثم استثنى ، فقال : إلا احتضار الحاج ، أن يحضره . والحاج : جمع حاجة ؛ قال الشاعر :


                                                          وأرضع حاجة بلبان أخرى     كذاك الحاج ترضع باللبان



                                                          وتحوج : طلب الحاجة ؛ وقال العجاج :


                                                          إلا احتضار الحاج من تحوجا



                                                          والتحوج : طلب الحاجة بعد الحاجة . والتحوج : طلب الحاجة . غيره : الحاجة في كلام العرب ، الأصل فيها حائجة ، حذفوا منها الياء ، فلما جمعوها ردوا إليها ما حذفوا منها فقالوا : حاجة وحوائج ، فدل جمعهم إياها على حوائج أن الياء محذوفة منها . وحاجة حائجة ، على المبالغة . الليث : الحوج ، من الحاجة . وفي التهذيب : الحوج الحاجات . وقالوا : حاجة حوجاء . ابن سيده : وحجت إليك أحوج حوجا وحجت ، الأخيرة عن اللحياني ؛ وأنشد للكميت بن معروف الأسدي :


                                                          غنيت ، فلم أرددكم عند بغية     وحجت ، فلم أكددكم بالأصابع



                                                          قال : ويروى وحجت ؛ قال : وإنما ذكرتها هنا لأنها من الواو ، قال : وسنذكرها أيضا في الياء لقولهم : حجت حيجا . واحتجت وأحوجت كحجت . اللحياني : حاج الرجل يحوج ويحيج ، وقد حجت وحجت أي : احتجت . والحوج : الطلب . والحوج : الفقر ؛ وأحوجه الله . والمحوج : المعدم من قوم محاويج . قال ابن سيده : وعندي أن محاويج إنما هو جمع محواج ، إن كان قيل ، وإلا فلا وجه للواو . وتحوج إلى الشيء : احتاج إليه وأراده . غيره : وجمع الحاجة حاج وحاجات وحوائج على غير قياس ، كأنهم جمعوا حائجة ، وكان الأصمعي ينكره ويقول : هو مولد ؛ قال الجوهري : وإنما أنكره لخروجه عن القياس ، وإلا فهو كثير في كلام العرب ؛ وينشد :


                                                          نهار المرء أمثل ، حين تقضى     حوائجه ، من الليل الطويل



                                                          قال ابن بري : إنما أنكره الأصمعي لخروجه عن قياس جمع حاجة ؛ قال : والنحويون يزعمون أنه جمع لواحد لم ينطق به ، وهو حائجة . قال : وذكر بعضهم أنه سمع حائجة لغة في الحاجة . قال : وأما قوله : إنه مولد ، فإنه خطأ منه لأنه قد جاء ذلك في حديث سيدنا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وفي أشعار العرب الفصحاء ، فمما جاء في الحديث ما روي عن ابن عمر : أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال : ( إن لله عبادا خلقهم لحوائج الناس ، يفزع الناس إليهم في حوائجهم ، أولئك الآمنون يوم القيامة ) . وفي الحديث أيضا : أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال : ( اطلبوا الحوائج إلى حسان الوجوه ) . وقال ، صلى الله عليه وسلم : ( استعينوا على نجاح الحوائج بالكتمان لها ) ومما جاء في أشعار الفصحاء قول أبي سلمة المحاربي :


                                                          ثممت حوائجي ووذأت بشرا     فبئس معرس الركب السغاب !



                                                          قال ابن بري : ثممت أصلحت ؛ وفي هذا البيت شاهد على أن حوائج جمع حاجة ، قال : ومنهم من يقول جمع حائجة لغة في الحاجة ؛ وقال الشماخ :


                                                          تقطع بيننا الحاجات إلا     حوائج يعتسفن مع الجريء



                                                          وقال الأعشى :


                                                          الناس حول قبابه :     أهل الحوائج والمسائل



                                                          وقال الفرزدق :


                                                          ولي ببلاد السند ، عند أميرها     حوائج جمات ، وعندي ثوابها



                                                          [ ص: 261 ] وقال هميان بن قحافة :


                                                          حتى إذا ما قضت الحوائجا     وملأت حلابها الخلانجا



                                                          قال ابن بري : وكنت قد سئلت عن قول الشيخ الرئيس أبي محمد القاسم بن علي الحريري في كتابه درة الغواص : إن لفظة حوائج مما توهم في استعمالها الخواص ؛ وقال الحريري : لم أسمع شاهدا على تصحيح لفظة حوائج إلا بيتا واحدا لبديع الزمان ، وقد غلط فيه ؛ وهو قوله :


                                                          فسيان بيت العنكبوت وجوسق     رفيع ، إذا لم تقض فيه الحوائج



                                                          فأكثرت الاستشهاد بشعر العرب والحديث ؛ وقد أنشد أبو عمرو بن العلاء أيضا :


                                                          صريعي مدام ، ما يفرق بيننا     حوائج من إلقاح مال ، ولا نخل



                                                          وأنشد ابن الأعرابي أيضا :


                                                          من عف خف ، على الوجوه ، لقاؤه     وأخو الحوائج وجهه مبذول



                                                          وأنشد أيضا :


                                                          فإن أصبح تخالجني هموم     ونفس في حوائجها انتشار



                                                          وأنشد ابن خالويه :


                                                          خليلي ! إن قام الهوى فاقعدا به     لعنا نقضي من حوائجنا رما



                                                          وأنشد أبو زيد لبعض الرجاز :


                                                          يا رب ، رب القلص النواعج     مستعجلات بذوي الحوائج



                                                          وقال آخر :


                                                          بدأن بنا لا راجيات لخلصة     ولا يائسات من قضاء الحوائج



                                                          قال : ومما يزيد ذلك إيضاحا ما قاله العلماء ؛ قال الخليل في العين في فصل " راح " يقال : يوم راح وكبش ضاف ، على التخفيف ، من رائح وضائف ، بطرح الهمزة ، كما قال أبو ذؤيب الهذلي :


                                                          وسود ماء المرد فاها ، فلونه     كلون النئور ، وهي أدماء سارها



                                                          أي سائرها . قال : وكما خففوا الحاجة من الحائجة ، ألا تراهم جمعوها على حوائج ؟ فأثبت صحة حوائج ، وأنها من كلام العرب ، وأن حاجة محذوفة من حائجة ، وإن كان لم ينطق بها عنده . قال : وكذلك ذكرها عثمان بن جني في كتابه اللمع ، وحكى المهلبي عن ابن دريد أنه قال : حاجة وحائجة ، وكذلك حكى عن أبي عمرو بن العلاء أنه يقال : في نفسي حاجة وحائجة وحوجاء ، والجمع حاجات وحوائج وحاج وحوج . وذكر ابن السكيت في كتابه الألفاظ - باب الحوائج يقال في جمع حاجة حاجات وحاج وحوج وحوائج . وقال سيبويه في كتابه ، فيما جاء فيه تفعل واستفعل ، بمعنى ، يقال : تنجز فلان حوائجه واستنجز حوائجه . وذهب قوم من أهل اللغة إلى أن حوائج يجوز أن يكون جمع حوجاء ، وقياسها حواج ، مثل صحار ، ثم قدمت الياء على الجيم فصار حوائج ؛ والمقلوب في كلام العرب كثير . والعرب تقول : بداءات حوائجك ، في كثير من كلامهم . وكثيرا ما يقول ابن السكيت : إنهم كانوا يقضون حوائجهم في البساتين والراحات ، وإنما غلط الأصمعي في هذه اللفظة كما حكي عنه حتى جعلها مولدة كونها خارجة عن القياس ، لأن ما كان على مثل الحاجة مثل غارة وحارة لا يجمع على غوائر وحوائر ، فقطع بذلك على أنها مولدة غير فصيحة ، على أنه قد حكى الرقاشي والسجستاني ، عن عبد الرحمن ، عن الأصمعي أنه رجع عن هذا القول ، وإنما هو شيء كان عرض له من غير بحث ولا نظر ، قال : وهذا الأشبه به لأن مثله لا يجهل ذلك إذ كان موجودا في كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وكلام العرب الفصحاء ؛ وكأن الحريري لم يمر به إلا القول الأول عن الأصمعي دون الثاني ، والله أعلم . والحوجاء : الحاجة . ويقال ما في صدري به حوجاء ولا لوجاء ، ولا شك ولا مرية ، بمعنى واحد . ويقال : ليس في أمرك حويجاء ولا لويجاء ولا رويغة ، وما في الأمر حوجاء ولا لوجاء أي : شك ؛ عن ثعلب . وحاج يحوج حوجا أي : احتاج . وأحوجه إلى غيره ، وأحوج أيضا : بمعنى احتاج . اللحياني : ما لي فيه حوجاء ولا لوجاء ولا حويجاء ولا لويجاء ؛ قال قيس بن رفاعة :


                                                          من كان في نفسه ، حوجاء يطلبها     عندي ، فإني له رهن بإصحار
                                                          أقيم نخوته ، إن كان ذا عوج     كما يقوم ، قدح النبعة ، الباري



                                                          قال ابن بري المشهور في الرواية :


                                                          أقيم عوجته إن كان ذا عوج



                                                          وهذا الشعر تمثل به عبد الملك بعد قتل مصعب بن الزبير وهو يخطب على المنبر بالكوفة ، فقال في آخر خطبته : وما أظنكم تزدادون بعد الموعظة إلا شرا ، ولن نزداد بعد الإعذار إليكم إلا عقوبة وذعرا ، فمن شاء منكم أن يعود إليها فليعد ، فإنما مثلي ومثلكم كما قال قيس بن رفاعة :


                                                          من يصل ناري بلا ذنب ولا ترة     يصلى بنار كريم ، غير غدار
                                                          أنا النذير لكم مني مجاهرة     كي لا ألام على نهيي وإنذاري
                                                          فإن عصيتم مقالي ، اليوم ، فاعترفوا     أن سوف تلقون خزيا ، ظاهر العار
                                                          لترجعن أحاديثا ملعنة     لهو المقيم ، ولهو المدلج الساري
                                                          [ ص: 262 ] من كان ، في نفسه ، حوجاء يطلبها     عندي ، فإني له رهن بإصحار
                                                          أقيم عوجته ، إن كان ذا عوج     كما يقوم ، قدح النبعة ، الباري
                                                          وصاحب الوتر ليس ، الدهر ، مدركه     عندي ، وإني لدراك بأوتاري



                                                          وفي الحديث : أنه كوى سعد بن زرارة وقال : لا أدع في نفسي حوجاء من سعد ؛ الحوجاء : الحاجة ، أي : لا أدع شيئا أرى فيه برأة إلا فعلته ، وهي في الأصل الريبة التي يحتاج إلى إزالتها ؛ ومنه حديث قتادة قال في سجدة حم : أن تسجد بالأخيرة منهما ، أحرى أن لا يكون في نفسك حوجاء أي : لا يكون في نفسك منه شيء ، وذلك أن موضع السجود منها مختلف فيه ، هل هو في آخر الآية الأولى أو آخر الآية الثانية ، فاختار الثانية لأنه أحوط ؛ وأن يسجد في موضع المبتدأ ، وأحرى خبره . وكلمه فما رد عليه حوجاء ولا لوجاء ، ممدود ، ومعناه : ما رد عليه كلمة قبيحة ولا حسنة ، وهذا كقولهم : فما رد علي سوداء ولا بيضاء أي : كلمة قبيحة ولا حسنة . وما بقي في صدره حوجاء ولا لوجاء إلا قضاها . والحاجة : خرزة لا ثمن لها لقلتها ونفاستها ؛ قال الهذلي :


                                                          فجاءت كخاصي العير لم تحل عاجة     ولا حاجة منها تلوح على وشم



                                                          وفي الحديث : قال له رجل : يا رسول الله ، ما تركت من حاجة ولا داجة إلا أتيت ؟ أي : ما تركت شيئا من المعاصي دعتني نفسي إليه إلا وقد ركبته ؛ وداجة إتباع لحاجة ، والألف فيها منقلبة عن الواو . ويقال للعاثر : حوجا لك أي : سلامة ! وحكى الفارسي عن أبي زيد : حج حجياك ، قال : كأنه مقلوب موضع اللام إلى العين .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية