الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 270 ] سورة حم عسق

                                                                                                                                                                                                                                      واسمها سورة الشورى

                                                                                                                                                                                                                                      وهي مكية، رواه العوفي وغيره عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، والجمهور . وحكي عن ابن عباس وقتادة قالا: إلا أربع آيات نزلن بالمدينة، أولها: قل لا أسألكم عليه أجرا [الشورى: 23] وقال مقاتل: فيها من المدني قوله: ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا [الشورى: 23] إلى قوله: بذات الصدور [الشورى: 24] وقوله: والذين إذا أصابهم البغي [الشورى: 39] إلى قوله: من سبيل [الشورى: 41] .

                                                                                                                                                                                                                                      بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      حم عسق . كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم . له ما في السماوات وما في الأرض وهو العلي العظيم . تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ألا إن الله هو الغفور [ ص: 271 ] الرحيم . والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: حم قد سبق تفسيره [المؤمن] .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: عسق فيه ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنه قسم أقسم الله به، وهو من أسمائه، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه حروف من أسماء; ثم فيه خمسة أقوال . أحدها: أن العين علم الله، والسين سناؤه، والقاف قدرته، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال الحسن . والثاني: أن العين فيها عذاب، والسين فيها مسخ، والقاف فيها قذف، رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس . والثالث: أن الحاء من حرب، والميم من تحويل ملك، والعين من عدو مقهور، والسين استئصال بسنين كسني يوسف، والقاف من قدرة الله في ملوك الأرض، قاله عطاء . والرابع: أن العين من عالم، والسين من قدوس، والقاف من قاهر، قاله [سعيد] بن جبير . والخامس: أن العين من العزيز، والسين من السلام، والقاف من القادر، قاله السدي .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أنه اسم من أسماء القرآن، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: كذلك يوحي إليك فيه أربعة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 272 ] أحدها: أنه كما أوحيت "حم عسق" إلى كل نبي، كذلك نوحيها إليك، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: كذلك نوحي إليك أخبار الغيب كما أوحينا إلى من قبلك، رواه عطاء عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أن "حم عسق" نزلت في أمر العذاب، فقيل: كذلك نوحي إليك أن العذاب نازل بمن كذبك كما أوحينا ذلك إلى من كان قبلك، قاله مقاتل .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع: أن المعنى: هكذا نوحي إليك، قاله ابن جرير .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن كثير: "يوحى" بضم الياء وفتح الحاء . كأنه إذا قيل: من يوحي؟ قيل: الله . وروى أبان عن عاصم: "نوحي" بالنون وكسر الحاء .

                                                                                                                                                                                                                                      تكاد السماوات يتفطرن قرأ ابن كثير، وابن عامر، وحمزة: "تكاد" بالتاء "يتفطرن" بياء وتاء مفتوحة وفتح الطاء وتشديدها . وقرأ نافع، والكسائي: "يكاد" بالياء "يتفطرن" مثل قراءة ابن كثير . وقرأ أبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم: "تكاد" بالتاء "ينفطرن" بالنون وكسر الطاء وتخفيفها، أي: يتشققن من فوقهن أي: من فوق الأرضين من عظمة الرحمن; وقيل: من قول المشركين: "اتخذ الله ولدا" ونظيرها [التي] في [مريم: 90] .

                                                                                                                                                                                                                                      والملائكة يسبحون بحمد ربهم قال بعضهم: يصلون بأمر ربهم; وقال بعضهم: ينزهونه عما لا يجوز في صفته ويستغفرون لمن في الأرض فيه قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنه أراد المؤمنين، قاله قتادة ، والسدي .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 273 ] والثاني: أنهم كانوا يستغفرون للمؤمنين، فلما ابتلي هاروت وماروت استغفروا لمن في الأرض .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى استغفارهم: سؤالهم الرزق لهم، قاله ابن السائب . وقد زعم قوم منهم مقاتل أن هذه الآية منسوخة بقوله: ويستغفرون للذين آمنوا [غافر: 7]، وليس بشيء، لأنهم إنما يستغفرون للمؤمنين دون الكفار، فلفظ هذه الآية عام، ومعناها خاص، ويدل على التخصيص قوله: ويستغفرون للذين آمنوا [غافر: 7]، لأن الكافر لا يستحق أن يستغفر له .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: والذين اتخذوا من دونه أولياء يعني كفار مكة اتخذوا آلهة فعبدوها من دونه الله حفيظ عليهم أي: حافظ لأعمالهم ليجازيهم بها وما أنت عليهم بوكيل أي: لم نوكلك بهم فتؤخذ بهم . وهذه الآية عند جمهور المفسرين منسوخة بآية السيف، ولا يصح .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية