الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ حير ]

                                                          حير : حار بصره يحار حيرة وحيرا وحيرانا وتحير إذا نظر إلى الشيء فعشي بصره . وتحير واستحار وحار : لم يهتد لسبيله . وحار يحار حيرة وحيرا أي : تحير في أمره ؛ وحيرته أنا فتحير . ورجل حائر بائر إذ لم يتجه لشيء . وفي حديث عمر ، رضي الله عنه : الرجال ثلاثة ، فرجل حائر بائر أي : متحير في أمره لا يدري كيف يهتدي فيه . وهو حائر وحيران : تائه من قوم حيارى ، والأنثى حيرى . وحكى اللحياني : لا تفعل ذلك أمك حيرى أي : متحيرة ، كقولك أمك ثكلى وكذلك الجمع ؛ يقال : لا تفعلوا ذلك أمهاتكم حيرى ؛ وقول الطرماح :


                                                          يطوي البعيد كطي الثوب هزته كما تردد بالديمومة الحار



                                                          أراد الحائر كما قال أبو ذؤيب : وهي أدماء سارها ؛ يريد سائرها . وقد حيره الأمر . والحير : التحير ؛ قال :


                                                          حيران لا يبرئه من الحير



                                                          وحار الماء ، فهو حائر . وتحير : تردد ؛ أنشد ثعلب :


                                                          فهن يروين بظمء قاصر     في ربب الطين بماء حائر



                                                          وتحير الماء : اجتمع ودار . والحائر : مجتمع الماء ؛ وأنشد :


                                                          مما تربب حائر البحر



                                                          قال : والحاجر نحو منه ، وجمعه حجران . والحائر : حوض يسيب إليه مسيل الماء من الأمطار ، يسمى هذا الاسم بالماء . وتحير الرجل إذا ضل فلم يهتد لسبيله وتحير في أمره . وبالبصرة حائر الحجاج معروف : يابس لا ماء فيه ، وأكثر الناس يسميه الحير كما يقولون لعائشة عيشة ، يستحسنون التخفيف وطرح الألف ؛ وقيل : الحائر المكان المطمئن يجتمع فيه الماء فيتحير لا يخرج منه ؛ قال :


                                                          صعدة نابتة في حائر     أينما الريح تميلها تمل



                                                          وقال أبو حنيفة : من مطمئنات الأرض الحائر ، وهو المكان المطمئن الوسط المرتفع الحروف ، وجمعه حيران وحوران ، ولا يقال حير إلا أن أبا عبيد قال في تفسير قول رؤبة :


                                                          حتى إذا ما هاج حيران الدرق



                                                          الحيران جمع حير لم يقلها أحد غيره ولا قالها هو إلا في تفسير هذا البيت . قال ابن سيده : وليس كذلك أيضا في كل نسخة ؛ واستعمل حسان بن ثابت الحائر في البحر فقال :


                                                          ولأنت أحسن إذ برزت لنا     يوم الخروج ، بساحة العقر
                                                          من درة أغلى بها ملك     مما تربب حائر البحر



                                                          والجمع حيران وحوران ، وقالوا : لهذه الدار حائر واسع ، والعامة تقول : حير ، وهو خطأ . والحائر : كربلاء ، سميت بأحد هذه الأشياء . واستحار المكان بالماء وتحير : تملأ . وتحير فيه الماء : اجتمع . وتحير الماء في الغيم : اجتمع ، وإنما سمي مجتمع الماء حائرا لأنه يتحير الماء فيه يرجع أقصاه إلى أدناه ؛ وقال العجاج :


                                                          سقاه ريا حائر روي



                                                          وتحيرت الأرض بالماء إذا امتلأت . وتحيرت الأرض بالماء لكثرته ؛ قال لبيد :


                                                          حتى تحيرت الدبار كأنها     زلف ، وألقي قتبها المحزوم



                                                          يقول : امتلأت ماء . والدبار : المشارات . والزلف : المصانع . واستحار شباب المرأة وتحير : امتلأ وبلغ الغاية . ؛ قال أبو ذؤيب :


                                                          وقد طفت من أحوالها وأردتها     لوصل ، فأخشى بعلها وأهابها
                                                          ثلاثة أعوام ، فلما تجرمت     تقضى شبابي ، واستحار شبابها



                                                          قال ابن بري : تجرمت تكلمت السنون . واستحار شبابها : جرى فيها ماء الشباب ؛ قال الأصمعي : استحار شبابها اجتمع وتردد فيها كما يتحير الماء ؛ وقال النابغة الذبياني وذكر فرج المرأة :


                                                          وإذا لمست ، لمست أجثم جاثما     متحيرا بمكانه ، ملء اليد



                                                          والحير : الغيم ينشأ مع المطر فيتحير في السماء . وتحير السحاب : لم يتجه جهة . الأزهري : قال شمر والعرب تقول لكل شيء ثابت دائم لا يكاد ينقطع : مستحير ومتحير ؛ وقال جرير :


                                                          يا ربما قذف العدو بعارض     فخم الكتائب ، مستحير الكوكب



                                                          قال ابن الأعرابي : المستحير الدائم الذي لا ينقطع . قال : وكوكب الحديد بريقه . والمتحير من السحاب : الدائم الذي لا يبرح مكانه يصب الماء صبا ولا تسوقه الريح ؛ وأنشد :


                                                          كأنهم غيث تحير وابله



                                                          وقال الطرماح :


                                                          في مستحير ردى المنو     ن ، وملتقى الأسل النواهل



                                                          قال أبو عمرو : يريد يتحير الردى فلا يبرح . والحائر : الودك . ومرقة متحيرة : كثيرة الإهالة والدسم . وتحيرت الجفنة : امتلأت طعاما ودسما ؛ فأما ما أنشد الفارسي لبعض الهذليين :


                                                          إما صرمت جديد الحبا     ل مني ، وغيرك الأشيب
                                                          فيا رب حيرى جمادية [ ص: 286 ]     تحدر فيها الندى الساكب



                                                          فإنه عنى روضة متحيرة بالماء . والمحارة : الصدفة ، وجمعها محار ؛ قال ذو الرمة :


                                                          فألأم مرضع نشغ المحارا



                                                          أراد : ما في المحار . وفي حديث ابن سيرين في غسل الميت : يؤخذ شيء من سدر فيجعل في محارة أو سكرجة ؛ قال ابن الأثير : المحارة والحائر الذي يجتمع فيه الماء ، وأصل المحارة الصدفة ، والميم زائدة . ومحارة الأذن : صدفتها ، وقيل : هي ما أحاط بسموم الأذن من قعر صحنيها ، وقيل : محارة الأذن جوفها الظاهر المتقعر ؛ والمحارة أيضا : ما تحت الإطار ، وقيل : المحارة جوف الأذن ، وهو ما حول الصماخ المتسع . والمحارة : الحنك وما خلف الفراشة من أعلى الفم . والمحارة : منفد النفس إلى الخياشم . والمحارة : النقرة التي في كعبرة الكتف . والمحارة : نقرة الورك . والمحاراتان : رأسا الورك المستديران اللذان يدور فيها رءوس الفخذين . والمحار ، بغير هاء ، من الإنسان : الحنك ، ومن الدابة حيث يحنك البيطار . ابن الأعرابي : محارة الفرس أعلى فمه من باطن . وطريق مستحير : يأخذ في عرض مسافة لا يدرى أين منفذه ؛ قال :


                                                          ضاحي الأخاديد ومستحيره     في لاحب يركبن ضيفي نيره



                                                          واستحار الرجل بمكان كذا ومكان كذا : نزله أياما . والحير والحير : الكثير من المال والأهل ؛ قال :


                                                          أعوذ بالرحمن من مال حير     يصليني الله به حر سقر !



                                                          وقوله أنشده ابن الأعرابي :


                                                          يا من رأى النعمان كان حيرا



                                                          قال ثعلب : أي : كان ذا مال كثير وخول وأهل ؛ قال أبو عمرو بن العلاء : سمعت امرأة من حمير ترقص ابنها وتقول :


                                                          يا ربنا ! من سره أن يكبرا     فهب له أهلا ومالا حيرا !



                                                          وفي رواية : فسق إليه رب مالا حيرا . والحير : الكثير من أهل ومال ؛ وحكى ابن خالويه عن ابن الأعرابي وحده : مال حير ، بكسر الحاء ؛ وأنشد أبو عمرو عن ثعلب تصديقا لقول ابن الأعرابي :


                                                          حتى إذا ما ربا صغيرهم     وأصبح المال فيهم حيرا
                                                          صد جوين فما يكلمنا     كأن في خده لنا صعرا


                                                          ويقال : هذه أنعام حيرات أي : متحيرة كثيرة ، وكذلك الناس إذا كثروا . والحارة : كل محلة دنت منازلهم فهم أهل حارة . والحيرة ، بالكسر : بلد بجنب الكوفة ينزلها نصارى العباد ، والنسبة إليها حيري وحاري ، على غير قياس ؛ قال ابن سيده : وهو من نادر معدول النسب قلبت الياء فيه ألفا ، وهو قلب شاذ غير مقيس عليه غيره ؛ وفي التهذيب : النسبة إليها حاري كما نسبوا إلى التمر تمري فأراد أن يقول حيري ، فسكن الياء فصارت ألفا ساكنة ، وتكرر ذكرها في الحديث ؛ قال ابن الأثير : هي البلد القديم بظهر الكوفة ومحلة معروفة بنيسابور . والسيوف الحارية : المعمولة بالحيرة ؛ قال :


                                                          فلما دخلناه أضفنا ظهورنا     إلى كل حاري قشيب مشطب



                                                          يقول : إنهم احتبوا بالسيوف ، وكذلك الرحال الحاريات قال الشماخ :


                                                          يسري إذا نام بنو السريات     ينام بين شعب الحاريات



                                                          والحاري : أنماط نطوع تعمل بالحيرة تزين بها الرحال ؛ أنشد يعقوب :


                                                          عقما ورقما وحاريا نضاعفه     على قلائص أمثال الهجانيع



                                                          والمستحيرة : موضع ؛ قال مالك بن خالد الخناعي :


                                                          ويممت قاع المستحيرة ، إنني     بأن يتلاحوا آخر اليوم ، آرب



                                                          ولا أفعل ذلك حيري دهر وحيري دهر أي : أمد الدهر . وحيري دهر : مخففة من حيري ، كما قال الفرزدق :


                                                          تأملت نسرا والسماكين أيهما     علي من الغيث ، استهلت مواطره



                                                          وقد يجوز أن يكون وزنه فعلي ؛ فإن قيل : كيف ذلك والهاء لازمة لهذا البناء فيما زعم سيبويه ؟ فإن كان هذا فيكون نادرا من باب إنقحل . وحكى ابن الأعرابي : لا آتيك حيري الدهر أي : طول الدهر ، وحير الدهر ؛ قال : وهو جمع حيري ؛ قال ابن سيده : ولا أدري كيف هذا ؛ قال الأزهري : وروى شمر بإسناده عن الربيع بن قريع قال : سمعت ابن عمر يقول : أسلفوا ذاكم الذي يوجب الله أجره ويرد إليه ماله ، ولم يعط الرجل شيئا أفضل من الطرق ، الرجل يطرق على الفحل أو على الفرس فيذهب حيري الدهر ، فقال له رجل : ما حيري الدهر ؟ قال : لا يحسب ، فقال الرجل : ابن وابصة ولا في سبيل الله ، فقال : أو ليس في سبيل الله ؟ هكذا رواه حيري الدهر ، بفتح الحاء وتشديد الياء الثانية وفتحها ؛ قال ابن الأثير : ويروى حيري دهر ، بياء ساكنة ، وحيري دهر ، بياء مخففة ، والكل من تحير الدهر وبقائه ، ومعناه مدة الدهر ودوامه أي : ما أقام الدهر . قال : وقد جاء في تمام الحديث : فقال له رجل : ما حيري الدهر ؟ فقال : لا يحسب ؛ أي : لا يعرف حسابه لكثرته ؛ يريد أن أجر ذلك دائم أبدا لموضع دوام النسل ؛ قال : وقال سيبويه : العرب تقول : لا أفعل ذلك حيري دهر أي : أبدا . وزعموا أن بعضهم ينصب الياء في حيري دهر ؛ وقال أبو الحسن : سمعت من يقول لا أفعل ذلك حيري دهر ، مثقلة ؛ قال : والحيري الدهر كله ؛ وقال شمر : قوله حيري دهر يريد أبدا ؛ قال ابن شميل : يقال ذهب ذاك حاري الدهر وحيري الدهر أي : أبدا . ويبقى [ ص: 287 ] حاري دهر أي : أبدا . ويبقى حاري الدهر وحيري الدهر أي : أبدا ؛ قال : وسمعت ابن الأعرابي يقول : حيري الدهر ، بكسر الحاء ، مثل قول سيبويه والأخفش ؛ قال شمر : والذي فسره ابن عمر ليس بمخالف لهذا إنما أراد لا يحسب أي : لا يمكن أن يعرف قدره وحسابه لكثرته ودوامه على وجه الدهر ؛ وروى الأزهري عن ابن الأعرابي قال : لا آتيه حيري دهر وحيري دهر وحير الدهر ؛ يريد : ما تحير من الدهر . وحير الدهر : جماعة حيري ؛ وأنشد ابن بري للأغلب العجلي شاهدا على مآل حير ، بفتح الحاء ، أي : كثير :


                                                          يا من رأى النعمان كان حيرا     من كل شيء طالح قد أكثرا



                                                          واستحير الشراب : أسيغ ؛ قال العجاج :


                                                          تسمع للجرع ، إذا استحيرا     للماء في أجوافها خريرا



                                                          والمستحير : سحاب ثقيل متردد ليس له ريح تسوقه ؛ قال الشاعر يمدح رجلا :


                                                          كأن أصحابه بالقفر يمطرهم     من مستحير ، غزير صوبه ديم



                                                          ابن شميل : يقول الرجل لصاحبه : والله ما تحور ولا تحول أي ما تزداد خيرا . ثعلب عن ابن الأعرابي : والله ما تحور ولا تحول أي ما تزداد خيرا . ابن الأعرابي : يقال لجلد الفيل الحوران ولباطن جلده الحرصيان . أبو زيد : الحير الغيم ينشأ مع المطر فيتحير في السماء . والحير ، بالفتح : شبه الحظيرة أو الحمى ، ومنه الحير بكربلاء . والحياران : موضع ؛ قال الحارث بن حلزة :


                                                          وهو الرب والشهيد على يو     م الحيارين ، والبلاء بلاء



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية