الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 84 ] باب

ذكر أحكام الصلات لألفات الوصل

اعلم أن ما قبل ألف الوصل يتحرك بالحركات الثلاث : بالفتح والكسر والضم . فإذا وصل الساكن الذي بعدها بهن ؛ سقطت من اللفظ لأجلهن . فإذا تحرك ما قبلها بالفتح ؛ جعل على رأسها جرة لطيفة ؛ دلالة على انفتاح ما قبلها ، وعلى سقوطها من اللفظ . وذلك نحو قوله : تتقون الذي ، و فاسقون اعلموا ، و هارون اخلفني ، و من الله ، وشبهه . وإن تحرك بالكسر ؛ جعلت الجرة تحتها ، دلالة على انكسار ما قبلها . وذلك نحو قوله : رب العالمين الرحمن الرحيم ، و فإن استطعت ، و للإنسان اكفر ، وشبهه . وإن تحرك بالضم ؛ جعلت الجرة في وسطها ، دلالة على انضمام ما قبلها . وذلك في نحو قوله : " اشتروا الضلالة " ، و نستعين اهدنا ، و على ألا تعدلوا اعدلوا ، و يا أيها الناس اعبدوا ، وشبهه . وسواء كانت الحركات الثلاث لوازم أو عوارض [ ص: 85 ] فإن لحقهن تنوين ؛ جعلت علامته مع الحركة نقطتين ، فوق الحرف في حال النصب ، وتحته في حال الخفض ، وأمامه في حال الرفع . وجعلت الجرة أبدا مع ذلك تحت ألف الوصل ؛ لأن التنوين يكسر في ذلك ؛ لأجل سكونه وسكون ما بعد الألف . وذلك نحو قوله : " رحيما النبي " ، و " حسيبا الله " ، و " مريب الذي " ، و بغلام اسمه ، و " حكيم الطلاق " ، و " حكيم انفروا " ، وشبهه .

وهذا ما لم يأت بعد الساكن الذي اجتلبت همزة الوصل للابتداء به ضمة لازمة . فإن أتت بعده فالقراء مختلفون في تحريك التنوين قبل الساكن في ذلك . فمنهم من يكسره للساكنين كسائر ما تقدم . ومنهم من يضمه إتباعا للضمة التي بعد الساكن ، ودلالة على أن ألف الوصل الفاصلة بينهما في الخط تبتدأ بالضم لا غير . وذلك نحو قوله : " فتيلا انظر " ، و " مبين اقتلوا " ، و " عيون ادخلوها " ، وشبهه . فعلى مذهب من كسر تجعل الجرة تحت الألف كما تقدم . وعلى مذهب من ضم تجعل في وسطها . ليدل بذلك على المذهبين من الكسر والضم .

* * *

وأهل النقط يسمون هذه الجرة صلة ؛ لأن الكلام الذي قبل الألف التي هي علامته يوصل بالذي بعده ، فيتصلان ، وتذهب هي من اللفظ بذلك .

[ ص: 86 ] وإنما جعلها نقاط أهل بلدنا قديما وحديثا جرة كالجرة التي هي علامة السكون ، من حيث اجتمعت ألف الوصل مع الساكن في عدم الحركة في حال الوصل . والنقط كما قدمنا مبني عليه ، فلذلك جمعوا بينهما في العلامة ، ولو جعل علامتها دارة صغرى لكان حسنا . وذلك من حيث كانت الدارة عند أهل المدينة ونقاطهم علامة للسكون ، وللحرف الساقط من اللفظ . وهذا من الأشياء اللطيفة التي تعزب حقائقها عن الفهماء ، فضلا عن الأغبياء .

فأما أهل المشرق فإنهم يخالفون أهل المغرب في ذلك ، فيجعلون صلة ألف الوصل في الكسر على رأس الألف أبدا ، ولا يعتبرون ما قبلها ولا ما بعدها من الحركات ، مع التنوين وغيره . ولا يجعلونها جرة ، بل يجعلونها دالا مقلوبة كالتي يحلق بها على الكلام الزائد في الكتب ؛ دلالة على سقوطه وزيادته . وقد يجر أيضا عليه . فتقتضي الجرة التي يستعملها أهل بلدنا المعنى الذي اقتضته الدال المقلوبة من الزيادة والسقوط .

ومذهب أهل بلدنا أوجه ؛ لما فيه مع ذلك من البيان عن كيفية الحركات ، وحال التنوين قبلها ، في حال الوصل .

* * *

وقد جرى استعمال نقاط بلدنا على الدلالة على كيفية الابتداء بهمزة الوصل ؛ لاضطرار القارئ إلى معرفة ذلك إذا هو قطع على الكلمة التي قبلها ، فيجعلون فوق الألف نقطة بالخضراء أو باللازورد ؛ فرقا بين حركتها التي لا توجد إلا في حال الابتداء فقط ، وبين حركات الهمزات وسائر الحروف اللائي يثبتن في الحالين ، من الوصل والابتداء ، ويجعلن نقطا بالحمرة . وذلك إذا ابتدئت بالفتح . فإن ابتدئت بالكسر جعلوا تلك النقطة تحت الألف . وإن ابتدئت بالضم جعلوها أمامها .

[ ص: 87 ] ونقاط أهل المشرق لا يفعلون ذلك .

ورأيت في مصحف كتبه ونقطه حكيم بن عمران الناقط - ناقط أهل الأندلس - في سنة سبع وعشرين ومئتين ، الحركات نقطا بالحمرة ، والهمزات بالصفرة ، وألفات الوصل المبتدأ بهن بالخضرة ، والصلات والسكون والتشديد بقلم دقيق بالحمرة ، على نحو ما حكيناه عن نقاط أهل بلدنا ، والصلة فوق الألف إذا انفتح ما قبلها ، وتحتها إذا انكسر ما قبلها ، وفي وسطها إذا انضم ما قبلها ، والألفات المحذوفات من الرسم اختصارا مثبتات بالحمرة ، وعلى الحروف الزوائد ، والحروف المخففة نحو " أنا " ، و " لأوضعوا " ، و أفإين مت ، و أولئك ، و أمن هو قانت ، وشبهه ، دارة صغرى بالحمرة ، على ما رويناه عن أهل المدينة ، وما جرى عليه استعمال أهل بلدنا .

ووصل إلي مصحف جامع عتيق كتب في أول خلافة هشام بن عبد الملك سنة عشر ومئة ، كان تاريخه في آخره ، كتبه مغيرة بن مينا ، في رجب سنة مئة وعشر . وفيه الحركات والهمزات والتنوين والتشديد نقط بالحمرة ، على ما رويناه عن السالفين من نقاط أهل المشرق .

فصل

وإن نقط مصحف على قراءة نافع من رواية ورش عنه ؛ جعل على الساكن [ ص: 88 ] الذي يلقى عليه حركة الهمزة المبتدأة نقطة بالحمراء . فإن كانت تلك الحركة فتحة جعلت النقطة فوق الحرف الساكن ؛ لأنه متحرك بها . وإن كانت كسرة جعلت النقطة تحته . وإن كانت ضمة جعلت النقطة أمامه ، وجعل في موضع الهمزة جرة ، علامة لسقوطها من اللفظ كسقوط همزة الوصل منه . فإن كانت الهمزة مفتوحة جعلت الجرة في أعلى الألف التي هي صورتها ، وإن كانت مكسورة جعلت الجرة تحتها ، وإن كانت مضمومة جعلت الجرة في وسطها ، دلالة على كيفية حركتها المنقولة إلى الحرف الساكن قبلها . وذلك في نحو قوله : " هل اتاك " ، و " قد افلح " ، و " من اتى الله " ، و " قل تعالوا اتل " ، و " من اله " ، و " من استبرق " ، و " اذكر اسماعيل " ، و " إذا خلوا الى " ، و " قالت اولاهم " ، و " قالت اخراهم " ، و " فمن اوتي " ، و " ذواتي اكل " ، و " من اولئكم " ، وشبهه .

فإن كان بعد الهمزة المنقول حركتها إلى الساكن ألف ، سواء كانت مبدلة من همزة أو غير مبدلة ، وذلك نحو قوله : " من امن " ، و " لقد اتيناك " ، [ ص: 89 ] و " نبأ ابني ادم " ، و " كل اتوه " ، وشبهه ؛ جعلت الصلة في موضع الهمزة عن يمين الألف . وبعض أهل بلدنا يجعل على رأس الألف علامة السكون ؛ ليدل بذلك على أن بعد الهمزة المنقول حركتها إلى الساكن ألف ، بخلاف ما تقدم من النوع الذي لا ألف بعد الهمزة فيه . وذلك حسن . وإن أعريت الألف المصورة من ذلك فحسن أيضا ؛ لأن في وقوع الصلة التي هي دليل الهمزة قبل الألف دليل على ذلك . وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية