الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 31 ] فصل

في الفرق بين ما أمر الله تعالى به ورسوله

من إخلاص الدين لله وشريعته، وبين ما نهى عنه

من الإشراك والبدع في زيارة القبور ونحو ذلك [ ص: 33 ] الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله أجمعين، وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد، فهذا فصل في الفرق بين ما أمر الله تعالى به ورسوله من إخلاص الدين لله وشريعته، وبين ما نهى عنه من الإشراك والبدع في زيارة القبور ونحو ذلك، فنقول:

زيارة القبور جائزة، سواء كان الميت مسلما أو كافرا، لكن يفرق بينهما في الزيارة، فأما الكافر فيزار قبره ليذكر الموت، ولا يجوز الاستغفار له ولا الدعاء له بالرحمة ونحو ذلك، لما ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنها تذكر الآخرة". وثبت عنه في الصحيح أنه قال: "استأذنت ربي في أن أزور قبر أمي فأذن لي، واستأذنته في أن أستغفر لها فلم يأذن لي. فزوروا القبور فإنها تذكر الآخرة".

وقد زار أمه في ألف مقنع عام فتح مكة، فبكى وأبكى من حوله، وقد كانت أمه ماتت كافرة في الجاهلية قبل أن يبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وكذلك في الصحيح أنه حضر عمه أبا طالب حين موته، وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية، فقال: "يا عم! قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله"، فقالا: يا أبا طالب! أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فقال: "لأستغفرن لك ما لم أنه عنك"، فأنزل الله تعالى: [ ص: 34 ]

ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم . وذلك أن بعض المسلمين احتج بأن إبراهيم وعد أباه بالاستغفار، واستغفر له بقوله ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ، فأجاب الله عن ذلك، وأمرنا أن نتأسى بإبراهيم في موعده بالاستغفار لأبيه، فقال تعالى: قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك الآيات . فذكر سبحانه أن المؤمنين لهم أسوة حسنة في إبراهيم والمؤمنين معه إذ تبرءوا من المشركين وما يعبدون من دون الله، إلا في هذا القول الذي قاله إبراهيم لأبيه، فإنهم ليس لهم في ذلك أسوة.

التالي السابق


الخدمات العلمية