الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ حين ]

                                                          حين : الحين : الدهر ، وقيل : وقت من الدهر مبهم يصلح لجميع الأزمان كلها ، طالت أو قصرت ، يكون سنة ، وأكثر من ذلك ، وخص بعضهم به أربعين سنة ، أو سبع سنين ، أو سنتين ، أو ستة أشهر ، أو شهرين . والحين : الوقت ، يقال : حينئذ ؛ قال خويلد :


                                                          كابي الرماد عظيم القدر جفنته حين الشتاء كحوص المنهل اللقف



                                                          والحين : المدة ؛ ومنه قوله تعالى : هل أتى على الإنسان حين من الدهر . التهذيب : الحين وقت من الزمان ، تقول : حان أن يكون ذلك ، وهو يحين ، ويجمع على الأحيان ، ثم تجمع الأحيان أحايين ، وإذا باعدوا بين الوقتين باعدوا بإذ فقالوا : حينئذ ، وربما خففوا همزة إذ فأبدلوها ياء وكتبوها بالياء . وحان له أن يفعل كذا يحين حينا أي : آن . وقوله تعالى : تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها قيل : كل سنة ، وقيل : كل ستة أشهر ، وقيل : كل غدوة وعشية . قال الأزهري : وجميع من شاهدته من أهل اللغة يذهب إلى أن الحين اسم كالوقت يصلح لجميع الأزمان ، قال : فالمعنى في قوله عز وجل : تؤتي أكلها كل حين أنه ينتفع بها في كل وقت لا ينقطع نفعها ألبتة ؛ قال : والدليل على أن الحين بمنزلة الوقت قول النابغة أنشده الأصمعي :


                                                          تناذرها الراقون من سوء سمها     تطلقه حينا ، وحينا تراجع



                                                          المعنى : أن السم يخف ألمه وقتا ويعود وقتا . وفي حديث ابن زمل : أكبوا رواحلهم في الطريق وقالوا هذا حين المنزل أي : وقت الركون إلى النزول ، ويروى خير المنزل ، بالخاء والراء . وقوله عز وجل : ولتعلمن نبأه بعد حين أي : بعد قيام القيامة ، وفي المحكم أي : بعد موت ؛ عن الزجاج . وقوله تعالى : فتول عنهم حتى حين أي : حتى تنقضي المدة التي أمهلوا فيها ، والجمع أحيان ، وأحايين جمع الجمع ، وربما أدخلوا عليه التاء وقالوا لات حين بمعنى ليس حين . وفي التنزيل العزيز : ولات حين مناص وأما قول أبي وجزة :


                                                          العاطفون تحين ما من عاطف     والمفضلون يدا إذا ما أنعموا



                                                          قال ابن سيده : قيل إنه أراد العاطفون مثل القائمون والقاعدون ، ثم إنه زاد التاء في حين كما زادها الآخر في قوله :


                                                          نولي قبل نأي داري جمانا     وصلينا كما زعمت تلانا



                                                          أراد الآن ، فزاد التاء وألقى حركة الهمزة على ما قبلها . قال أبو زيد : سمعت من يقول حسبك تلان ، يريد الآن ، فزاد التاء ، وقيل : أراد العاطفونه ، فأجراه في الوصل على حد ما يكون عليه في الوقف ، وذلك أنه يقال في الوقف : هؤلاء مسلمونه وضاربونه فتلحق الهاء لبيان حركة النون ، كما أنشدوا :


                                                          أهكذا يا طيب تفعلونه     أعللا ونحن منهلونه ؟



                                                          فصار التقدير العاطفونه ، ثم إنه شبه هاء الوقف بهاء التأنيث ، فلما احتاج لإقامة الوزن إلى حركة الهاء قلبها تاء كما تقول هذا طلحه ، فإذا وصلت صارت الهاء تاء فقلت : هذا طلحتنا ، فعلى هذا قال العاطفونه ، وفتحت التاء كما فتحت في آخر ربت وثمت وذيت وكيت ؛ وأنشد الجوهري بيت أبي وجزة :


                                                          العاطفون تحين ما من عاطف     والمطعمون زمان أين المطعم



                                                          قال ابن بري : أنشد ابن السيرافي :


                                                          فإلى ذرى آل الزبير بفضلهم     نعم الذرى في النائبات لنا هم
                                                          العاطفون تحين ما من عاطف     والمسبغون يدا إذا ما أنعموا



                                                          قال : هذه الهاء هي هاء السكت اضطر إلى تحريكها ؛ قال ومثله :


                                                          هم القائلون الخير والآمرونه     إذا ما خشوا من محدث الأمر معظما



                                                          وحينئذ . تبعيد لقولك الآن . وما ألقاه إلا الحينة بعد الحينة أي : الحين بعد الحين . وعامله محاينة وحيانا : من الحين ؛ الأخيرة عن اللحياني ، وكذلك استأجره محاينة وحيانا ؛ عنه أيضا . وأحان من الحين : أزمن . وحين الشيء : جعل له حينا . وحان حينه أي : قرب وقته . والنفس قد حان حينها إذا هلكت ؛ وقالت بثينة :


                                                          وإن سلوي عن جميل لساعة     من الدهر ، ما حانت ولا حان حينها



                                                          قال ابن بري : لم يحفظ لبثينة غير هذا البيت ، قال : ومثله لمدرك بن حصن :


                                                          وليس ابن أنثى مائتا دون يومه     ولا مفلتا من ميتة حان حينها



                                                          وفي ترجمة حيث : كلمة تدل على المكان ، لأنه ظرف في الأمكنة بمنزلة حين في الأزمنة . قال الأصمعي : ومما تخطئ فيه العامة والخاصة باب حين وحيث ، غلط فيه العلماء مثل أبي عبيدة ، و سيبويه ؛ قال أبو حاتم : رأيت في كتاب سيبويه أشياء كثيرة يجعل حين حيث ، وكذلك في كتاب أبي عبيدة بخطه ؛ قال أبو حاتم : واعلم أن حين وحيث ظرفان ، فحين ظرف من الزمان ، وحيث [ ص: 292 ] ظرف من المكان ، ولكل واحد منهما حد لا يجاوزه ، قال : وكثير من الناس جعلوهما معا حيث ، قال : والصواب أن تقول رأيت حيث كنت أي : في الموضع الذي كنت فيه ، واذهب حيث شئت إلى أي موضع شئت . وفي التنزيل العزيز : فكلا من حيث شئتما . وتقول : رأيتك حين خرج الحاج أي : في ذلك الوقت ، فهذا ظرف من الزمان ، ولا تقل حيث خرج الحاج . وتقول : ائتني حين مقدم الحاج ، ولا يجوز حيث مقدم الحاج ، وقد صير الناس هذا كله حيث . فليتعهد الرجل كلامه ، فإذا كان موضع يحسن فيه أين وأي موضع فهو حيث ، لأن أين معناه حيث ، وقولهم حيث كانوا وأين كانوا معناهما واحد ، ولكن أجازوا الجمع بينهما لاختلاف اللفظين ، واعلم أنه يحسن في موضع حين لما وإذ وإذا ووقت ، ويوم ، وساعة ، ومتى ، تقول : رأيتك لما جئت ، وحين جئت ، وإذ جئت ، وقد ذكر ذلك كله في ترجمة حيث . وعاملته محاينة : مثل مساوعة . وأحينت بالمكان إذا أقمت به حينا . أبو عمرو : أحينت الإبل إذا حان لها أن تحلب أو يعكم عليها . وفلان يفعل كذا أحيانا وفي الأحايين . وتحينت رؤية فلان أي : تنظرته . وتحين الوارش إذا انتظر وقت الأكل ليدخل . وحينت الناقة إذا جعلت لها في كل يوم وليلة وقتا تحلبها فيه . وحين الناقة وتحينها : حلبها مرة في اليوم والليلة ، والاسم الحينة ؛ قال المخبل يصف إبلا :


                                                          إذا أفنت أروى عيالك أفنها     وإن حينت أربى على الوطب حينها



                                                          وفي حديث الأذان : كانوا يتحينون وقت الصلاة أي : يطلبون حينها . والحين : الوقت . وفي حديث الجمار : كنا نتحين زوال الشمس . وفي الحديث : تحينوا نوقكم ؛ هو أن تحلبها مرة واحدة وفي وقت معلوم . الأصمعي : التحيين أن تحلب الناقة في اليوم والليلة مرة واحدة ، قال : والتوجيب مثله وهو كلام العرب . وإبل محينة إذا كانت لا تحلب في اليوم والليلة إلا مرة واحدة ، ولا يكون ذلك إلا بعدما تشول وتقل ألبانها . وهو يأكل الحينة والحينة أي : المرة الواحدة في اليوم والليلة ، وفي بعض الأصول أي : وجبة في اليوم لأهل الحجاز ، يعني الفتح . قال ابن بري : فرق أبو عمرو الزاهد بين الحينة والوجبة فقال : الحينة في النوق والوجبة في الناس ، وكلاهما للمرة الواحدة ، فالوجبة : أن يأكل الإنسان في اليوم مرة واحدة ، والحينة : أن تحلب الناقة في اليوم مرة . والحين : يوم القيامة . والحين ، بالفتح : الهلاك ؛ قال :


                                                          وما كان إلا الحين يوم لقائها     وقطع جديد حبلها من حبالكا



                                                          وقد حان الرجل : هلك ، وأحانه الله . وفي المثل : أتتك بحائن رجلاه . وكل شيء لم يوفق للرشاد فقد حان . الأزهري : يقال حان يحين حينا ، وحينه الله فتحين . والحائنة : النازلة ذات الحين ، والجمع الحوائن ؛ قال النابغة :


                                                          بتبل غير مطلب لديها     ولكن الحوائن قد تحين



                                                          وقول مليح :


                                                          وحب ليلى ولا تخشى محونته     صدع بنفسك مما ليس ينتقد



                                                          يكون من الحين ، ويكون من المحنة . وحان الشيء : قرب . وحانت الصلاة : دنت ، وهو من ذلك . وحان سنبل الزرع : يبس فآن حصاده . وأحين القوم : حان لهم ما حاولوه أو حان لهم أن يبلغوا ما أملوه ؛ عن ابن الأعرابي ؛ وأنشد :


                                                          كيف تنام بعدما أحينا



                                                          أي حان لنا أن نبلغ . والحانة : الحانوت ؛ عن كراع . الجوهري : والحانات المواضع التي فيها تباع الخمر . والحانية : الخمر منسوبة إلى الحانة ، وهو حانوت الخمار ، والحانوت معروف ، يذكر ويؤنث ، وأصله حانوة مثل ترقوة ، فلما أسكنت الواو انقلبت هاء التأنيث تاء ، والجمع الحوانيت لأن الرابع منه حرف لين ، وإنما يرد الاسم الذي جاوز أربعة أحرف إلى الرباعي في الجمع والتصغير ، إذا لم يكن الحرف الرابع منه أحد حروف المد واللين ؛ قال ابن بري : حانوت أصله حنووت ، فقدمت اللام على العين فصارت حونوت ، ثم قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصارت حانوت ، ومثل حانوت طاغوت ، وأصله طغيوت ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية