الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 406 ] 4 - باب

                                من سمى النفاس حيضا

                                294 298 - حدثنا المكي بن إبراهيم : نا هشام ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، أن زينب بنت أم سلمة حدثته ، أن أم سلمة حدثتها ، قالت : بينا أنا مع النبي صلى الله عليه وسلم مضطجعة في خميصة إذ حضت ، فانسللت ، فأخذت ثياب حيضتي ، فقال : ( أنفست ؟ ) فقلت : نعم ، فدعاني فاضطجعت معه في الخميلة .

                                التالي السابق


                                مكي بن إبراهيم أكبر شيخ للبخاري ، وهو في طبقة مالك ، ويروي عن هشام بن عروة وغيره من الأكابر .

                                وقد أسقط بعض الرواة من إسناد هذا الحديث ( زينب بنت أبي سلمة ) ، وجعله عن أبي سلمة ، عن أم سلمة ، والصواب ذكر ( زينب ) فيه .

                                وقد تقدم حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي في الحج وهي تبكي ، فقال : ( ما لك ؟ أنفست ؟ ) قالت : نعم .

                                ظاهر حديث أم سلمة وعائشة يدل على أن الحيض يسمى نفاسا . وقد بوب البخاري على عكس ذلك ، وأن النفاس يسمى حيضا ، وكأن مراده : إذا سمي الحيض نفاسا فقد ثبت لأحدهما اسم الآخر ، فيسمى كل واحد منهما باسم الآخر ، ويثبت لأحدهما أحكام الآخر .

                                ولا شك أن النفاس يمنع ما يمنع منه الحيض ، ويوجب ما يوجب الحيض إلا في الاعتداد به ; فإنها لا تعتد به المطلقة قرءا ، ولا تستبرأ به الأمة .

                                [ ص: 407 ] وقد حكى ابن جرير وغيره الإجماع على أن حكم النفساء حكم الحائض في الجملة .

                                وقد اعتمد ابن حزم على هذا الحديث في أن الحائض والنفاس مدتهما واحدة ، وأن أكثر النفاس كأكثر الحيض . وهو قول لم يسبق إليه ، ولو كان هذا الاستنباط حقا لما خفي على أئمة الإسلام كلهم إلى زمنه .

                                وقريب من هذا ما نقل حرب في ( مسائله ) ، قال : قلت لإسحاق : رجل قال لامرأته : إذا حضت فأنت طالق ، فولدت ، هل يكون دم النفاس حيضا ؟ قال : تطلق ; لأن دم النفاس حيض ، إلا أن يقصد حين يحلف قصد الحيض . وذكر حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها في الحج : ( ما لك ؟ أنفست ؟ ) انتهى .

                                وهذا يرده أنه لو كان دم النفاس حيضا لاعتدت به المطلقة قرءا ، ولا قائل بذلك ، بل قد حكى أبو عبيد وابن المنذر وغيرهما الإجماع على خلافه .

                                وقوله صلى الله عليه وسلم : ( أنفست ؟ ) قال القرطبي : قيدناه بضم النون وبفتحها ، قال الهروي وغيره : نفست المرأة ونفست إذا ولدت ، يعني : بالوجهين : فتح النون وضمها . قال : وإذا حاضت [قيل] : نفست بفتح النون لا غير . فعلى هذا يكون ضم النون هنا خطأ ; فإن المراد به الحيض قطعا ، لكن حكى أبو حاتم عن الأصمعي الوجهين في الحيض والولادة ، وذكر ذلك غير واحد .

                                فعلى هذا تصح الروايتان ، وأصل ذلك كله من خروج الدم ، وهو المسمى نفسا . انتهى .

                                [ ص: 408 ] وقال الخطابي : ترجم أبو عبد الله هذا الباب بقوله : ( من سمى النفاس حيضا ) ، والذي ظنه من ذلك وهم . قال : وأصل هذه الكلمة من النفس ، وهو الدم ، إلا أنهم فرقوا بين بناء الفعل من الحيض والنفاس ، فقالوا : نفست المرأة بفتح النون وكسر الفاء - إذا حاضت ، ونفست بضم النون وكسر الفاء ، على وزن الفعل المجهول ، فهي نفساء - إذا ولدت . انتهى .

                                ومراده أن الرواية في هذا الحديث هي بفتح النون ليس إلا ، وأن ذلك لا يراد به إلا الحيض .

                                وعلى ما ذكره القرطبي أن الرواية في الحديث جاءت بوجهين ، وأن الأصمعي حكى في الحيض والولادة وجهين - لا يحكم على البخاري بالوهم .

                                ثم قال الخطابي : الحيضة بكسر الحاء التحيض ، كالقعدة والجلسة ، أي : الحالة التي تلزمها الحائض من اجتناب الأمور وتوقيها . يشير إلى قول أم سلمة : ( فأخذت ثياب حيضتي ) ، أنها بكسر الحاء .

                                وأنكر غيره ذلك ، وقال : إنما الرواية بفتح الحاء ، والمراد ثياب الحيض .

                                قال الخطابي : والخميصة : كساء أسود ، وربما كان له علم ، أو فيه خطوط . والخميلة : ثوب من صوف له خمل .

                                وروى ابن لهيعة : نا يزيد بن أبي حبيب ، عن موسى بن سعد بن زيد بن ثابت ، عن خبيب بن عبد الله بن الزبير ، عن عائشة ، قالت : طرقتني الحيضة من الليل وأنا إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتأخرت ، فقال : ( ما لك ؟ أنفست ؟ ) [ ص: 409 ] قلت : لا ، ولكن حضت ، قال : ( فشدي عليك إزارك ، ثم عودي ) . خرجه الإمام أحمد . وهو غريب جدا .



                                الخدمات العلمية