الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          [ ص: 124 - 125 ] كتاب الصلاة لغة الدعاء ، قال تعالى : { وصل عليهم } أي ادع لهم ، وعدي بعلى لتضمنه معنى الإنزال ، أي أنزل رحمتك عليهم . وقال صلى الله عليه وسلم : { إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب ، فإن كان مفطرا فليطعم ، وإن كان صائما فليصل } . وشرعا ( أقوال ) ولو مقدرة ، كمن أخرس ( وأفعال ) معلومة ( مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم ) للخبر ، سميت صلاة لاشتمالها على الدعاء ، مشتقة من الصلوين تثنية صلا كعصا . وهما عرقان من جانبي الذنب ، أو عظمان ينحنيان في الركوع والسجود ; لأن رأس المأموم عند صلوى إمامه . وقال ابن فارس : إنها من صليت العود ، إذا لينته ، لأن المصلي يلين ويخشع .

                                                                          وفرضها بالكتاب والسنة والإجماع وكان ليلة الإسراء بعد بعثته صلى الله عليه وسلم بنحو خمس سنين ، وهي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين ( وتجب ) الصلاة ( الخمس ) في اليوم والليلة ( على كل مسلم ) ذكر أو أنثى أو خنثى ، حر أو عبد أو مبعض ( مكلف ) أي بالغ عاقل ( غير حائض ونفساء ) فلا تجب عليهما .

                                                                          كما تقدم وإلا لأمرتا بقضائها ( ولو لم يبلغه ) أي المسلم المذكور ( الشرع ) كمن أسلم بدار حرب ولم يبلغه أحكام الصلاة فيقضيها إذا علم ، كالنائم ( أو ) كان ( نائما ) أو ساهيا لحديث { من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها } رواه مسلم ( أو ) كان ( مغطى عقله بإغماء ) لما روي " أن عمارا أغمي عليه ثلاثا ، ثم أفاق فقال : هل صليت ؟ قالوا : ما صليت منذ ثلاث ، ثم توضأ وصلى تلك الثلاث " وعن عمران بن حصين وسمرة بن جندب نحوه .

                                                                          ولم يعرف لهم مخالف فكان كالإجماع ; ولأن الإغماء لا تطول مدته غالبا . ولا تثبت الولاية على من تلبس به . ويجوز على الأنبياء ، ولا يسقط الصوم . فكذا [ ص: 126 ] الصلاة ، كالنوم ( أو ) كان مغطى عقله ( بشرب ) دواء فيقضي كالمغمى عليه ، وأولى أو كان مغطى عقله بشرب ( محرم ) اختيارا ، لأنه معصية .

                                                                          فلا يناسبها إسقاط الواجب ، أو كرها ، إلحاقا له بما تقدم ( فيقضي ) السكران زمن سكره ( حتى زمن جنون طرأ ) على السكر ( متصلا به ) تغليظا عليه وقياسه . الصوم وغيره ( ويلزم ) متيقظا ( إعلام نائم بدخول وقتها ) أي الصلاة ( مع ضيقه ) أي الوقت .

                                                                          وظاهره : ولو نام قبل دخوله ; لأنه من الأمر بالمعروف المأمور به ، في قوله تعالى : { وأمر بالمعروف } وعلم مما تقدم : أن الصلاة لا تجب على كافر ، بمعنى : أنه لا يؤمر بها حال كفره ولا بقضائها إذا أسلم ، لما فيه من التنفير عن الإسلام . وإلا فهم مخاطبون بفروع الإسلام كالتوحيد ( ولا تصح من مجنون ) لعدم النية ، ولا تجب عليه ; لأنه ليس من أهل التكليف أشبه الطفل ، حتى لو ضرب رأسه فجن لم يجب عليه القضاء ، ولا على الأبله الذي لا يفيق .

                                                                          ( وإذا صلى ) كافر يصح إسلامه . حكم به ، لحديث أبي هريرة مرفوعا { نهيت عن قتل المصلين } رواه أبو داود . فظاهره : أن العصمة تثبت بالصلاة ، وهي لا تكون بدون الإسلام ولقول أنس " من شهد أن لا إله إلا الله واستقبل قبلتنا ، وصلى صلاتنا ، وأكل ذبيحتنا فهو المسلم . له ما للمسلم وعليه ما على المسلم " رواه البخاري موقوفا .

                                                                          والظاهر من قوله " وصلى صلاتنا " أنه لا يحكم بإسلامه حتى يصلي ركعة ; لأنه لا يسمى مصليا بدونها ، ولأن الصلاة على الهيئة المشروعة تختص بشرعنا أشبهت الأذان ، وسواء كانت بدار إسلام أو حرب جماعة أو منفردا ، بمسجد أو غيره ( أو أذن ولو في غير وقته ) أي الأذان ( كافر يصح إسلامه ) وهو المميز الذي يعقله ( حكم به ) أي إسلامه ، لإتيانه بالشهادتين . ومعنى الحكم به : أنه لو مات عقب ذلك غسل وكفن وصلي عليه ودفن بمقابرنا ، وورثه أقاربه المسلمون ، دون الكفار .

                                                                          ولو أراد البقاء على الكفر ، وقال : صليت مستهزئا ونحوه . لم يقبل منه كما لو كان أتى بالشهادتين ( ولا تصح صلاته ) أي الكافر ( ظاهرا ) فيؤمر بإعادتها : لفقد شرطها ، وهو الإسلام ، وإن علم أنه كان قد أسلم واغتسل وصلى بنية صحيحة فهي صحيحة ( ولا يعتد بأذانه ) لفقد شرطه ، وهو الإسلام ، فلا يسقط به الفرض . ولا يعتمد عليه في صلاة وفطر ولا يحكم بإسلامه بإخراج زكاة ماله ، ولا [ ص: 127 ] حجه ، ولا صومه قاصدا رمضان

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية