الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          [ ص: 13 ] الرجعة 1981 - مسألة : ومن الرجعة من طلق امرأته تطليقة أو تطليقتين فاعتدت ثم تزوجت زوجا وطئها في فرجها ثم مات عنها أو طلقها ثم راجعها الذي كان طلقها ثم طلقها لم تحل له إلا حتى تنكح زوجا آخر - يطؤها في فرجها - إن كان طلقها قبل ذلك طلقتين فإن كان إنما طلقها طلقة واحدة فإنه تبقى له فيها طلقة هي الثالثة .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 14 ] وقالت طائفة : إن الذي تزوجها بعد طلاق الأول قد هدم طلاقه كما يهدم الثلاث ، فإنه يهدم ما دونها - فممن روي عنه القول الأول - : كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب : أن أبا هريرة قال فيمن طلق امرأته طلقة فاعتدت ، ثم تزوجت ، ثم طلقها الثاني ، فتزوجها الأول فطلقها طلقتين : أنها قد حرمت عليه - ووافقه على ذلك علي ، وأبي بن كعب . ومن طريق عبد الرزاق عن مالك ، وسفيان بن عيينة ، كلاهما عن الزهري قال : سمعت سعيد بن المسيب ، وحميد بن عبد الرحمن ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، وسليمان بن يسار ، كلهم قال : سمعت أبا هريرة يقول : سمعت عمر يقول : أيما امرأة طلقها زوجها طلقة أو طلقتين ثم تزوجت غيره فمات أو طلقها ثم تزوجها الأول فإنها عنده على ما بقي من طلاقه لها . ومن طريق حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن عن عمران بن الحصين مثله - وصح أيضا : عن ابن عمر - في أحد قوليه - عن حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عنه .

                                                                                                                                                                                          وروي أيضا - عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، ونفر من الصحابة - رضي الله عنهم - وهو قول الحسن ، وابن أبي ليلى ، وسفيان الثوري ، والحسن بن حي ، ومحمد بن الحسن ، ومالك ، والشافعي ، وأبي سليمان ، وأصحابهم .

                                                                                                                                                                                          وروينا القول الثاني - من طرق ، منها - ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر [ ص: 15 ] عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال : نكاح جديد ، وطلاق جديد - وعن ابن عمر - في أحد قوليه - من طريق عبد الرزاق ، ووكيع ، قال وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي ; وقال عبد الرزاق : عن معدن بن طاوس عن أبيه ، ثم اتفقا عن ابن عمر ، قال : نكاح جديد ، وطلاق جديد .

                                                                                                                                                                                          ورويناه أيضا - عن ابن مسعود - وهو قول عطاء وشريح ، وإبراهيم ، وأصحاب ابن مسعود ، وعبيدة السلماني ، وأبي حنيفة ، وزفر ، وأبي يوسف - : فنظرنا فيما احتج به أهل هذه المقالة ؟ فلم نجد لهم أكثر من أن قالوا : إننا لم نختلف أن نكاح زوج آخر يهدم الثلاث ، ولا شك في أنه إذا هدمها فإنه قد هدم الواحدة من جملتها ، والاثنين من جملتها - ومن المحال أن يهدمها متفرقة .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : فقلنا : لم يهدم قط طلاقا ، إنما هدم التحريم الواقع بتمام الثلاث مفرقة أو مجموعة فقط ، ولا تحرم بالطلقتين ولا بالواحدة بهدمه .

                                                                                                                                                                                          وقلنا لهم : أنتم قد حملتم العاقلة نصف عشر الدية فأكثر ، ولم تحملوها أقل من نصف العشر ، ولا شك أنها إذا حملت نصف العشر فقد حملت في جملته أقل منه ؟ فقالوا : إنما حملناها ما ثقل ؟ فقلنا : ومن لكم بأن نصف العشر فصاعدا هو الثقل دون أن يكون الثلث هو الثقل أو الكل .

                                                                                                                                                                                          وأيضا - فرب جان يعظم عليه ويثقل ربع عشر الدية ، لقلة ماله ، وآخر تخف عليه الدية كلها لكثرة ماله .

                                                                                                                                                                                          ثم السؤال باق عليكم ، إذ حملتموها ما ثقل ، فالأولى أن تحملوها ما خف وكل هذا لا معنى له ، إنما الحجة في ذلك قول الله تعالى : { فإن طلقها } يعني في الثالثة { فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } فلا يجوز تعدي حدود الله تعالى والقياس كله باطل - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية