الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 366 ] خلافة الوليد بن عبد الملك

[86 - 96 هـ]


أبو العباس، قال العيشي: (كان أبواه يترفانه، فشب بلا أدب).

قال روح بن زنباع: (دخلت يوما على عبد الملك - وهو مهموم - فقال: فكرت فيمن أوليه أمر العرب، فلم أجده، فقلت: أين أنت عن الوليد؟ قال: إنه لا يحسن النحو، فسمع ذلك الوليد، فقام من ساعته وجمع أصحاب النحو، وجلس معهم في بيت ستة أشهر، ثم خرج وهو أجهل مما كان، فقال عبد الملك: أما إنه قد أعذر).

وقال أبو الزناد: (كان الوليد لحانا، قال على منبر المسجد النبوي: يا أهل المدينة).

وقال أبو عكرمة الضبي: قرأ الوليد على المنبر: يا ليتها كانت القاضية وتحت المنبر عمر بن عبد العزيز وسليمان بن عبد الملك، فقال سليمان: وددتها والله، وكان الوليد جبارا ظالما.

وأخرج أبو نعيم في «الحلية» عن ابن شوذب قال: (قال عمر بن [ ص: 367 ] عبد العزيز: الوليد بالشام، والحجاج بالعراق، وعثمان بن حيان بالحجاز، وقرة بن شريك بمصر؛ امتلأت الأرض والله جورا).

وأخرج ابن أبي حاتم في «تفسيره» عن إبراهيم أبي زرعة، أن الوليد قال له: أيحاسب الخليفة؟ قال: يا أمير المؤمنين؛ أأنت أكرم على الله أم داود؟ إن الله جمع له النبوة والخلافة، ثم توعده في كتابه فقال: { يا داود } الآية.

لكنه أقام الجهاد في أيامه، وفتحت في خلافته فتوحات عظيمة، وكان مع ذلك يختن الأيتام، ويرتب لهم المؤدبين، ويرتب للزمنى من يخدمهم، وللأضراء من يقودهم، وعمر المسجد النبوي ووسعه، ورزق الفقهاء والفقراء والضعفاء ، وحرم عليهم سؤال الناس، وفرض لهم ما يكفيهم، وضبط الأمور أتم ضبط.

وقال ابن أبي عبلة: (رحم الله الوليد، وأين مثل الوليد؟! افتتح الهند والأندلس، وبنى مسجد دمشق، وكان يعطيني قصاع الفضة أقسمها على قراء مسجد بيت المقدس).

ولي الوليد الخلافة بعهد من أبيه، في شوال، سنة ست وثمانين.

ففي سنة سبع وثمانين: شرع في بناء جامع دمشق، وكتب بتوسيع المسجد النبوي وبنائه.

وفيها: فتحت بيكند، وبخارى، وسردانية، ومطمورة، وقميقم، وبحيرة الفرسان عنوة.

[ ص: 368 ] وفيها: حج بالناس عمر بن عبد العزيز وهو أمير المدينة، فوقف يوم النحر غلطا، وتألم لذلك.

وفي سنة ثمان وثمانين: فتحت جرثومة وطوانة.

وفي سنة تسع وثمانين: فتحت جزيرتا ميورقة ومنورقة.

وفي سنة إحدى وتسعين: فتحت نسف وكش وشومان ومدائن وحصون من بحر أذربيجان.

وفي سنة اثنتين وتسعين: فتح إقليم الأندلس بأسره، ومدينة أرامبيل وقنزبور.

وفي سنة ثلاث وتسعين: فتحت الديبل وغيرها، ثم الكيرج وبرهم، وباجة والبيضاء، وخوارزم وسمرقند والسغد.

وفي سنة أربع وتسعين: فتحت كابل وفرغانة، والشاش وسندرة وغيرها.

وفي سنة خمس وتسعين: فتحت المولتان ومدينة الباب.

[ ص: 369 ] وفي سنة ست وتسعين: فتحت طويس وغيرها.

وفيها: مات الخليفة الوليد، في نصف جمادى الآخرة، وله إحدى وخمسون سنة.

قال الذهبي: (عاش الجهاد في أيامه، وفتحت فيها الفتوحات العظيمة كأيام عمر بن الخطاب).

قال عمر بن عبد العزيز: (لما وضعت الوليد في لحده، إذا هو يركض في أكفانه). يعني ضرب الأرض برجله.

ومن كلام الوليد: (لولا أن الله ذكر آل لوط في القرآن... ما ظننت أن أحدا يفعل هذا).

التالي السابق


الخدمات العلمية