الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفحة جزء
                                                                  [ ص: 7 ] باب القاف

                                                                  قيلة بنت مخرمة العنبرية

                                                                  ( 1 ) حدثنا أبو مسلم الكشي ، ثنا حفص بن عمر أبو عمر الضرير الحوضي ( ح ) .

                                                                  وحدثنا معاذ بن المثنى ، والفضل بن الحباب أبو خليفة ، قالا : ثنا عبد الله بن سوار بن قدامة بن عنزة العنبري ( ح ) .

                                                                  وحدثنا يعقوب بن إسحاق المخرمي ، ثنا عفان بن مسلم ( ح ) .

                                                                  وحدثنا محمد بن زكريا الغلابي ، ثنا عبد الله بن رجاء الغداني ( ح ) .

                                                                  وحدثنا محمد بن هشام بن أبي الدميك المستملي ، ثنا عبيد الله بن محمد بن عائشة التيمي ، قالوا : ثنا عبد الله بن حسان العنبري أبو الجنيد أخو بني كعب العنبري حدثتني جدتاي صفية ودحيبة ابنتا عليبة ، وكانتا ربيبتي قيلة ، أن قيلة بنت مخرمة حدثتهما أنها كانت تحت حبيب بن أزهر أخي بني جناب ، فولدت له النساء ثم توفي ، فانتزع بناتها منها أثوب بن أزهر عمهن ، فخرجت تبتغي الصحابة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أول الإسلام ، فبكت جويرية منهن حديباء ، قد كانت أخذتها الفرصة وهي أصغرهن عليها سبيج لها من صوف ، فرحمتها فاحتملتها معها ، فبينما هما ترتكان الجمل إذ انتفخت الأرنب ، فقالت الحديباء القصية : لا والله لا يزال كعبك أعلى من كعب أثوب في هذا الحديث أبدا ، ثم لما شنح الثعلب ، فسمته اسما غير الثعلب ، نسيه عبد الله بن حسان ، [ ص: 8 ] ثم قالت فيه ما قالت في الأرنب ، فبينما هما ترتكان ، إذ برك الجمل وأخذته رعدة ، فقالت الحديباء القصية : أدركتك والله أخدة أثوب ، فقلت : واضطررت إليها ، ويحك ما أصنع ؟ قالت : قلبي ثيابك ظهورها لبطونها وتدحرجي ظهرك لبطنك وقلبي أحلاس جملك ، ثم خلعت سبيجها ، فقلبته وتدحرجت ظهرها لبطنها ، فلما فعلت ما أمرتني انتفض الجمل ، ثم قام فتفاج وبال ، فقالت الحديباء : أعيدي عليك أداتك ففعلت ما أمرتني به فأعدتها ، ثم خرجتا ترتك ، فإذا أثوب على إثرنا بالسيف مصلتا فوألنا إلى حواء ضخم فداره ، حتى ألقى الجمل إلى رواق البيت الأوسط جمل ذلول فاقتحمت داخله بالجارية ، فأدركني بالسيف فأصاب ظبته طائفة من قرون رأسي وقال : ألقي إلي بنت أخي يا دفار ، فرميت بها إليه ، فجعلها على منكبه ، فذهب بها وكنت أعلم به من أهل البيت ومضيت إلى أخت لي ناكح في بني شيبان أبتغي الصحابة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول الإسلام ، فبينما أنا عندها ذات ليلة من الليالي تحسب عيني نائمة جاء زوجها من السامر فقال : وأبيك لقد وجدت لقيلة صاحبا ، صاحب صدق ، فقالت أختي : من هو ؟ قال : حريث بن حسان الشيباني عاد وافد بكر بن وائل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذا صباح ، فقالت أختي : الويل لي لا تسمع بهذا أختي ، فتخرج مع أخي بكر بن وائل بين سمع الأرض وبصرها ليس معها من قومها رجل ، فقال : لا تذكريه لها ، فإني غير ذاكرة لها ، فسمعت ما قالا ، فغدوت فشددت على جملي ، فوجدته غير بعيد ، فسألته الصحبة ، فقال : نعم ، وكرامة ، وركابه مناخة عندي ، فخرجت معه صاحب صدق ، حتى قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي [ ص: 9 ] بالناس صلاة الغداة ، وقد أقيمت حين شق الفجر ، والنجوم شابكة في السماء ، والرجال لا تكاد تعارف من ظلمة الليل فصففت مع الرجال ، امرأة حديثة عهد بجاهلية ، فقال لي الرجل الذي يليني من الصف : امرأة أنت أم رجل ؟ فقلت : لا بل امرأة ، فقال : إنك قد كدت تفتنيني فصلي في النساء ، وإذا صف من النساء قد حدث عند الحجرات لم أكن رأيته حين دخلت ، فكنت فيهن حتى إذا طلعت الشمس دنوت ، فجعلت إذا رأيت رجلا ذا رداء وذا قشر طمح إليه بصري لأرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوق الناس حتى جاء رجل بعدما ارتفعت الشمس فقال : السلام عليك يا رسول الله ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وعليك السلام ورحمة الله . وعليه أسمال مليتين قد كانتا بزعفران ، وقد نقضتا ، وبيده عسيب نخلة مقصر مقشو قفر غير خوصتين من أعلاه قاعد القرفصاء ، فلما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتخشع في الجلسة أرعدت من الفرق ، فقال له جليسه : يا رسول الله أرعدت المسكينة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ولم ينظر إلي وأنا عند ظهره : يا مسكينة عليك السكينة . فلما قالها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذهب الله عني ما كان دخل في قلبي من الرعب ، وتقدم صاحبي أول رجل حريث بن حسان ، فبايعه على الإسلام وعلى قومه ، ثم قال : يا رسول الله ، اكتب بيننا وبين بني تميم بالدهناء لا يجاوزها إلينا منهم إلا مسافر أو مجاوز ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اكتب بالدهناء يا غلام ، فلما أمر له بها شخص بي وهي وطني وداري ، فقلت : يا رسول الله ، لم يسألك السوية من الأمر إذ سألك ، إنما هذه الدهناء عندك مقيد الجمل ومرعى الغنم ، ونساء بني [ ص: 10 ] تميم وأبناؤها وراء ذلك ، فقال : أمسك يا غلام ، صدقت المسكينة ، المسلم أخو المسلم ، يسعهما الماء والشجر ويتعاونان على القيان ، فلما رأى ذلك حريث قد حيل دون كتابه ضرب بإحدى يديه على الأخرى ثم قال : كنت أنا وأنت كما قال : وحتفها تحمل ضأن بأظلافها .

                                                                  فقالت : والله ما أعلم إن كنت لدليلا في الظلماء ، جوادا لدى الرحل ، عفيفا عن الرفيقة حتى قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولكن لا تلمني على أن أسأل حظي إذ سألت حظك ، قال : وما حظك في الدهناء لا أبا لك ؟ قلت : مقيد جملي تسأله لجمل امرأتك ، قال : لا جرم أني أشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني لك أخ وصاحب ما حييت إذا ثنيت علي هذا عنده ، فقلت : إذ بدأتها فلن أضيعها ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أيلام ابن هذه أن يفصل الخطة وينصر من وراء الحجرة .

                                                                  فبكيت ثم قلت : قد والله ولدته يا رسول الله حراما ، فقاتل معك يوم الربذة ، ثم ذهب يميرني من خيبر ، فأصابته حماها فمات ، فترك علي النساء ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " فوالذي نفسي بيده لو لم تكوني مسكينة لجررناك على وجهك " أو " لجررت على وجهك " - شك عبد الله بن حسان أي الحرفين حدثته المرأتان - أتغلب إحداكن أن تصاحب في الدنيا معروفا ، فإذا حال بينه وبين من هو أولى به استرجع ، ثم قال : " رب آسني ما أمضيت ، فأعني على ما أبقيت ، فوالذي نفس محمد بيده ، إحداكن لتبكي فتستعين لها صويحبة ، فيا عباد الله لا تعذبوا موتاكم ، ثم كتب لها في قطيعة أديم أحمر لقيلة والنسوة من بنات قيلة ، ألا يظلمن حقا ، ولا يكرهن على منكح ، وكل مؤمن ومسلم لهن نصير ، أحسن ولا تسئن " .


                                                                  قال محمد بن هشام : فسره لنا ابن عائشة فقال : الفرصة ذات [ ص: 11 ] الحدب ، والفرصة القطعة من المسك ، والفرصة الدولة ، يقال : انتهز فرصتك أي دولتك . السبيج : شمل كساء . الرتكان : ضرب من السير . الانتفاج : السعي السفر . شنح أي ولاك ميامنه ، وبعض العرب يجعل مياسره وهم يتطيرون بأحدهما ويتفاءلون بالآخر . تفاخ تفتح . فوألنا لحبانا إلى حواء . دفار يا منتنة ، من ذلك قول العرب في الدنيا : أم دفر لنتنها ، ثم نشدت عنه استخبرت عنه ، المقشو المقشور . الفتان الشياطين ، واحدتها فاتن . حتفها تحمل ضأن بأظلافها : مثل من أمثال العرب في شاة بحثت بأظلافها في الأرض فأظهرت مدية فذبحت بها فصارت مثلا . القضية : انقضاء الأمور . وشخص أي ارتفع بصري . فكبرا من إكبار ما سمعت . آسني أي اجعل لي أسوة بما تعطي به ، قال ابن متمم بن نويرة :


                                                                  فقلت لها طول الأسى إذ سألتني ولوعة حزن تترك الوجه أسفعا

                                                                  .

                                                                  أسفع : أي أسود .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية