الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ألف ]

                                                          ألف : الألف من العدد معروف مذكر ، والجمع آلف : قال بكير أصم بني الحارث بن عباد :


                                                          عربا ثلاثة آلف وكتيبة ألفين أعجم من بني الفدام



                                                          وآلاف وألوف ، يقال ثلاثة آلاف إلى العشرة ، ثم ألوف جمع الجمع . قال الله - عز وجل - : وهم ألوف حذر الموت ; فأما قول الشاعر :


                                                          وكان حاملكم منا ورافدكم     وحامل المين بعد المين والألف



                                                          إنما أراد الآلاف فحذف للضرورة ، وكذلك أراد المئين فحذف الهمزة . ويقال : ألف أقرع لأن العرب تذكر الألف ، وإن أنث على أنه جمع فهو جائز ، وكلام العرب فيه التذكير ; قال الأزهري : وهذا قول جميع النحويين . ويقال : هذا ألف واحد ولا يقال واحدة ، وهذا ألف أقرع أي تام ولا يقال قرعاء . قال ابن السكيت : ولو قلت هذه ألف بمعنى هذه الدراهم ألف لجاز ; وأنشد ابن بري في التذكير :


                                                          فإن يك حقي صادقا وهو صادقي     نقد نحوكم ألفا من الخيل أقرعا



                                                          قال : وقال آخر :


                                                          ولو طلبوني بالعقوق أتيتهم     بألف أؤديه إلى القوم أقرعا



                                                          وألف العدد وآلفه : جعله ألفا . وآلفوا : صاروا ألفا . وفي الحديث : أول حي آلف مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنو فلان . قال أبو عبيد : يقال كان القوم تسعمائة وتسعة وتسعين فآلفتهم ، ممدود ، وآلفوا هم إذا صاروا ألفا ، وكذلك أمأيتهم فأمأوا إذا صاروا مائة . الجوهري : آلفت القوم إيلافا أي كملتهم ألفا ، وكذلك آلفت الدراهم وآلفت هي . ويقال : ألف مؤلفة أي مكملة . وألفه يألفه ، بالكسر ، أي أعطاه ألفا ; قال الشاعر :


                                                          وكريمة من آل قيس ألفته     حتى تبذخ فارتقى الأعلام



                                                          أي ورب كريمة ، والهاء للمبالغة ، وارتقى إلى الأعلام ، فحذف إلى وهو يريده . وشارطه مؤالفة أي على ألف ; عن ابن الأعرابي . وألف الشيء ألفا وإلافا وولافا ; الأخيرة شاذة ، وألفانا وألفه : لزمه ، وآلفه إياه : ألزمه . وفلان قد ألف هذا الموضع ، بالكسر ، يألفه ألفا وآلفه أياه غيره ، ويقال أيضا : آلفت الموضع أولفه إيلافا ، وكذلك آلفت الموضع أؤالفه مؤالفة وإلافا ، فصارت صورة أفعل وفاعل في الماضي واحدة ، [ ص: 133 ] وألفت بين الشيئين تأليفا فتألفا وأتلفا . وفي التنزيل العزيز : لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف ; فيمن جعل الهاء مفعولا ورحلة مفعولا ثانيا ، وقد يجوز أن يكون المفعول هنا واحدا على قولك آلفت الشيء كألفته ، وتكون الهاء والميم في موضع الفاعل كما تقول عجبت من ضرب زيد عمرا ، وقال أبو إسحاق : في إيلاف قريش ثلاثة أوجه : لإيلاف ، ولإلاف ، ووجه ثالث لإلف قريش ، قال : وقد قرئ بالوجهين الأولين . أبو عبيد : ألفت الشيء وآلفته بمعنى واحد لزمته ، فهو مؤلف ومألوف . وآلفت الظباء الرمل إذا ألفته ; قال ذو الرمة :


                                                          من المؤلفات الرمل أدماء حرة     شعاع الضحى في متنها يتوضح



                                                          أبو زيد : ألفت الشيء وألفت فلانا إذا أنست به ، وألفت بينهم تأليفا إذا جمعت بينهم بعد تفرق ، وألفت الشيء تأليفا إذا وصلت بعضه ببعض ; ومنه تأليف الكتب . وألفت الشيء أي وصلته . وآلفت فلانا الشيء إذا ألزمته إياه أولفه إيلافا ، والمعنى في قوله - تعالى - : لإيلاف قريش لتؤلف قريش الرحلتين فتتصلا ، ولا تنقطعا ، فاللام متصلة بالسورة التي قبلها ، أي أهلك الله أصحاب الفيل لتؤلف قريش رحلتيها آمنين . ابن الأعرابي : أصحاب الإيلاف أربعة إخوة : هاشم وعبد شمس والمطلب ونوفل بنو عبد مناف ، وكانوا يؤلفون الجوار يتبعون بعضه بعضا يجيرون قريشا بميرهم وكانوا يسمون المجيرين ، فأما هاشم فإنه أخذ حبلا من ملك الروم ، وأخذ نوفل حبلا من كسرى ، وأخذ عبد شمس حبلا من النجاشي ، وأخذ المطلب حبلا من ملوك حمير ، قال : فكان تجار قريش يختلفون إلى هذه الأمصار بحبال هؤلاء الإخوة فلا يتعرض لهم ; قال ابن الأنباري : من قرأ لإلافهم وإلفهم فهما من ألف يألف ، ومن قرأ لإيلافهم فهو من آلف يؤلف ، قال : ومعنى يؤلفون يهيئون ويجهزون . قال أبو منصور : ، وهو على قول ابن الأعرابي بمعنى يجيرون ، والإلف والإلاف بمعنى ; وأنشد حبيب بن أوس في باب الهجاء لمساور بن هند يهجو بني أسد :


                                                          زعمتم أن إخوتكم قريشا     لهم إلف وليس لكم إلاف



                                                          ، قال الفراء : من قرأ إلفهم فقد يكون من يؤلفون ، قال : وأجود من ذلك أن يجعل من يألفون رحلة الشتاء والصيف . والإيلاف : من يؤلفون أي يهيئون ويجهزون ، وقال ابن الأعرابي : كان هاشم يؤلف إلى الشام ، وعبد شمس يؤلف إلى الحبشة ، والمطلب إلى اليمن ، ونوفل إلى فارس . قال : ويتألفون أي يستجيرون ; قال الأزهري : ومنه قول أبي ذؤيب :


                                                          توصل بالركبان حينا وتؤلف ال     جوار ويغشيها الأمان ذمامها



                                                          وفي حديث ابن عباس : وقد علمت قريش أن أول من أخذ لها الإيلاف لهاشم ; الإيلاف : العهد والذمام كان هاشم بن عبد مناف أخذه من الملوك لقريش ، وقيل في قوله - تعالى - : لإيلاف قريش يقول تعالى : أهلكت أصحاب الفيل لأولف قريشا مكة ، ولتؤلف قريش رحلة الشتاء والصيف أي تجمع بينهما ، إذا فرغوا من ذه أخذوا في ذه ، وهو كما تقول ضربته لكذا لكذا ، بحذف الواو ، وهي الألفة . وأتلف الشيء : ألف بعضه بعضا ، وألفه : جمع بعضه إلى بعض ، وتألف : تنظم . والإلف : الأليف . يقال : حنت الإلف إلى الإلف ، وجمع الأليف ألائف مثل تبيع وتبائع وأفيل وأفائل ; قال ذو الرمة :


                                                          فأصبح البكر فردا من ألائفه     يرتاد أحلية أعجازها شذب



                                                          والألاف : جمع آلف مثل كافر وكفار . وتألفه على الإسلام ، ومنه المؤلفة قلوبهم . التهذيب : في قوله - تعالى - : لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ، قال : نزلت هذه الآية في المتحابين في الله ، قال : والمؤلفة قلوبهم في آية الصدقات قوم من سادات العرب أمر الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - في أول الإسلام بتألفهم أي بمقاربتهم وإعطائهم ليرغبوا من وراءهم في الإسلام ، فلا تحملهم الحمية من ضعف نياتهم على أن يكونوا إلبا مع الكفار على المسلمين ، وقد نفلهم النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين بمائتين من الإبل تألفا لهم ، منهم الأقرع بن حابس التميمي ، والعباس بن مرداس السلمي ، وعيينة بن حصن الفزاري ، وأبو سفيان بن حرب ، وقد قال بعض أهل العلم : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - تألف في وقت بعض سادة الكفار ، فلما دخل الناس في دين الله أفواجا وظهر أهل دين الله على جميع أهل الملل ، أغنى الله - تعالى وله الحمد - عن أن يتألف كافر اليوم بمال يعطى لظهور أهل دينه على جميع الكفار ، والحمد لله رب العالمين ; وأنشد بعضهم :


                                                          إلاف الله ما غطيت بيتا     دعائمه الخلافة والنسور



                                                          قيل : إلاف الله أمان الله ، وقيل : منزلة من الله . وفي حديث حنين : إني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم ; التألف : المداراة والإيناس ليثبتوا على الإسلام رغبة فيما يصل إليهم من المال ، ومنه حديث الزكاة : سهم للمؤلفة قلوبهم . والإلف : الذي : تألفه ، والجمع آلاف ، وحكى بعضهم في جمع إلف ألوف . قال ابن سيده : وعندي أنه جمع آلف كشاهد وشهود ، وهو الأليف ، وجمعه ألفاء والأنثى آلفة وإلف ; قال :


                                                          وحوراء المدامع إلف صخر

                                                          ، وقال :


                                                          قفر فياف ترى ثور النعاج بها     يروح فردا وتبقى إلفه طاويه



                                                          وهذا من شاذ البسيط لأن قوله طاويه فاعلن وضرب البسيط لا يأتي على فاعلن ، والذي حكاه أبو إسحاق وعزاه إلى الأخفش أن أعرابيا سئل أن يصنع بيتا تاما من البسيط فصنع هذا البيت ، وهذا ليس بحجة فيعتد بفاعلن ضربا في البسيط ، إنما هو في موضوع الدائرة ، فأما المستعمل فهو فعلن وفعلن . ويقال : فلان أليفي وإلفي وهم ألافي ، وقد نزع البعير إلى ألافه ; وقول ذي الرمة :


                                                          أكن مثل ذي الألاف ، لزت كراعه [ ص: 134 ]     إلى أختها الأخرى ، وولى صواحبه



                                                          يجوز الألاف ، وهو جمع آلف ، والآلاف جمع إلف . وقد ائتلف القوم ائتلافا وألف الله بينهم تأليفا . وأوالف الطير : التي قد ألفت مكة والحرم ، شرفهما الله تعالى . وأوالف الحمام : دواجنها التي تألف البيوت ; قال العجاج :


                                                          أوالفا مكة من ورق الحمى



                                                          أراد الحمام فلم يستقم له الوزن فقال الحمى ; وأما قول رؤبة :


                                                          تالله لو كنت من الألاف

                                                          قال ابن الأعرابي : أراد بالألاف الذين يألفون الأمصار ، واحدهم آلف . وآلف الرجل : تجر . وألف القوم إلى كذا وتألفوا : استجاروا . والألف والأليف : حرف هجاء ; قال اللحياني : قال الكسائي الألف من حروف المعجم ، مؤنثة ، وكذلك سائر الحروف ، هذا كلام العرب وإن ذكرت جاز ; قال سيبويه : حروف المعجم كلها تذكر وتؤنث كما أن الإنسان يذكر ويؤنث . وقوله عز وجل : الم ذلك الكتاب ، و المص ، و المر ، قال الزجاج : الذي اخترنا في تفسيرها قول ابن عباس : إن " الم " : أنا الله أعلم ، و " المص " : أنا الله أعلم وأفصل ، و " المر " : أنا الله أعلم وأرى ; قال بعض النحويين : موضع هذه الحروف رفع بما بعدها ، قال : المص كتاب فكتاب مرتفع ب " المص " ، وكأن معناه " المص " حروف كتاب أنزل إليك ، قال : وهذا لو كان كما وصف لكان بعد هذه الحروف أبدا ذكر الكتاب ، فقوله : الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم يدل على أن الأمر مرافع لها على قوله ، وكذلك : يس والقرآن الحكيم ، وقد ذكرنا هذا الفصل مستوفى في صدر الكتاب عند تفسير الحروف المقطعة من كتاب الله عز وجل .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية