الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 567 ] ثم دخلت سنة ثمانين وخمسمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      في هذه السنة أرسل السلطان إلى العساكر الحلبية والجزرية والمصرية ، فقدم عليه تقي الدين عمر من مصر ومعه القاضي الفاضل ، وجاء من حلب أبو بكر العادل ، وقدمت ملوك الجزيرة وسنجار وتلك النواحي والأقطار ، وأخذها كلها مع جيشه ، فسار بها إلى الكرك فأحدقوا بها في رابع عشر جمادى الأولى ، وركب عليها المجانيق ، وكانت تسعة ، وأخذ في حصارها ; وذلك لأنه رأى أن فتحها الآن أنفع للمسلمين ، فإنهم يقطعون الطريق على الحجيج والتجار في البراري والبحار ، فبينما هو كذلك إذ بلغه أن الفرنج - لعنهم الله - قد اجتمعوا له كلهم فارسهم وراجلهم ; ليمنعوا منه الكرك فانشمر عنها وقصدهم ، فنزل على حسبان تجاههم ، ثم صار إلى ماء عين ، فانهزمت الفرنج قاصدين الكرك فأرسل وراءهم من قتل منهم مقتلة عظيمة ، وأمر السلطان الجيوش بالإغارة على السواحل ; لخلوها من المقاتلة ، فنهبت نابلس وما حولها من القرايا والرساتيق ، ثم عاد السلطان إلى دمشق فأذن للعساكر في الانصراف إلى بلدانهم الشتى ، وأمر ابن أخيه تقي الدين عمر الملك المظفر أن يعود إلى مصر بعسكره ، وكذلك أخاه العادل أن يعود إلى الشهباء ، وأقام السلطان بدمشق ; [ ص: 568 ] ليؤدي فرض الصيام ، ولتجم الخيل ويحد الحسام ، وقدمت على السلطان خلع الخليفة فلبسها ، وألبس أخاهالعادل ، وابن عمه ناصر الدين محمد بن شيركوه ، ثم خلع السلطان خلعته على ناصر الدين بن قرا أرسلان ، صاحب حصن كيفا وخرتبرت وآمد التي أطلقها له السلطان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة مات ابن عمه صاحب ماردين وميافارقين وتلك الأعمال ، وهو قطب الدين إيلغازي بن ألبي بن تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق ، فقام في الملك بعده ولده وله من العمر عشر سنين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها مات صاحب المغرب - أيضا - يوسف بن عبد المؤمن بن علي وقام في الملك بعده ولده يعقوب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي أواخر السنة بلغ السلطان صلاح الدين أن صاحب الموصل نازل إربل ، فبعث صاحبها يستصرخ بالسلطان ، فركب من فوره إليه في جنوده وعساكره ، فسار إلى بعلبك ثم إلى حمص ثم إلى حماة ، فأقام بها أياما ينتظر وصول العماد الكاتب إليه ; وذلك لأنه حصل له ضعف فأقام ببعلبك ريثما استبل من مرضه ، وقد أرسل إليه القاضي الفاضل من دمشق حكيما يقال له : أسعد بن إلياس المطران . فعالجه معالجة من طب لمن حب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية