الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفحة جزء
                                                                  إسلام جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه

                                                                  3 - حدثنا أحمد بن داود المكي قال : ثنا إسماعيل بن مهران الواسطي [ ص: 198 ] قال : ثنا زياد بن عباد المذحجي ، عن عمر بن موسى ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن عبد الله بن عباس قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الغداة قعد في مصلاه حتى تطلع الشمس ، فقال يوما : " يطلع عليكم من هذا الفج من خير ذي يمن ، عليه مسحة ملك " فطلع جرير بن عبد الله البجلي في أحد عشر راكبا من قومه ، فعلقوا ركابهم ثم دنوا ، فقال جرير : السلام عليكم يا معشر قريش ، أين رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ؟ فقال نبي الله - عليه السلام - : " يا جرير ، أسلم تسلم ، إن غلظ القلوب والجفاء والحوب في أهل الوبر والصوف ، يا جرير ، إنك لا تستحق حقيقة الإسلام ولا تستكمل بعد الإيمان حتى تدع عبادة الأوثان ، يا جرير ، إني أحذرك الدنيا وحلاوة رضاعها ومرارة فطامها " .

                                                                  قال جرير : يا رسول الله ، ادع الله أن يشرح صدري للإسلام ، فقال : " اللهم اشرح صدره للإسلام ، ولا تجعله من أهل الردة ، ولا تكثر له فيطغى ، ولا تملي له فينسى " قال جرير : فما الذي أتيت وإني أريد أن أسألك عنه ؟ قال : " أتيت وأنت تريد أن تسألني عن حق الوالد على ولده ، إن من حق الوالد على ولده أن يخضع له في الغضب ، وأن يؤثره في الرضا ، ومن حق الولد على والده أن يحسن أدبه ، ولا يجحد نسبه ، إن المكافئ ليس بالواصل ، إنما الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها " فقال : والذي بعثك بالحق ، [ ص: 199 ] هذا أردت أن أسألك عنه ، ما أردت أن أسألك عن شيء غيره ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك عبده ورسوله .

                                                                  قال : " أين تنزلون يا جرير ؟ " قال : في أكناف ببيشة بين سلم وأراك ، وسهل ودكداك ، وحموض وتملاك ، ونخلة وضالة ، وسدرة وآءة ، ونجمة وأثلة ، شتاؤنا ربيع ، وربيعنا لسريع ، وماؤنا منيع ، لا يقام ماتحها ، ولا يحسر صابحها ، ولا يعزب سارحها ، فقال النبي ، - صلى الله عليه وسلم - : " أما إن خير الماء الشبم ، وخير المال الغنم ، وخير المرعى الأراك والسلم ، إذا أخلف كان لجينا ، وإذا أكل كان لبينا يسيرا ، وإذا سقط كان درينا " فقال جرير : يا رسول الله ، أخبرني عن السماء الدنيا والأرض السفلى ، قال : " خلق الله السماء الدنيا من الموج الملفوف ، وحففها بالنجوم وجعلها رجوما للشياطين ، وحفظا من كل شيطان رجيم ، وخلق الأرض السفلى من الزبد الحبار ، والماء الكبار ، وجعلها فوق صخرة على ظهر حوت ، يخرج منها الماء ، فلو انخرق منها خرق لأدرت الأرض ومن عليها ، سبحان خالق النور " قال جرير : يا رسول الله ، ابسط يدك أبايعك ، فبسط يده ، فقال : يا رسول الله ، ما أعتقد ؟ قال : " تعتقد أن لا إله إلا الله ، وأني عبد الله ورسوله " قال : نعم ، قال : " وأن تقيم الصلاة ، وتؤدي الزكاة " قال : نعم ، قال : " وأن تصوم رمضان ، وتحج البيت " قال : نعم ، قال : " وأن تغتسل من الجنابة " قال : نعم ، قال : " وأن تسمع وتطيع ، وإن كان عبدا حبشيا " قال : نعم .


                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية