الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 201 ] كتاب القسمة

                                                                                                                                                                        قد يتولاها الشركاء بأنفسهم أو منصوب للقاضي أو لهم ، ويشترط في منصوب القاضي الحرية والعدالة ، والتكليف والذكورة ، والعلم بالمساحة والحساب ، وهل يشترط معرفته للتقويم ؟ وجهان ؛ لأن في أنواع القسمة ما يحتاج إليه ، ولا يشترط في منصوب الشركاء العدالة والحرية ؛ لأنه وكيل لهم ، كذا أطلقوه . وينبغي أن يكون في توكيل العبد في القسمة الخلاف في توكيله في البيع .

                                                                                                                                                                        ولو حكم الشركاء رجلا ليقسم بينهم ، فهو على القولين في التحكيم ، فإن جوزناه ، فهو كمنصوب القاضي ، فإن كان في سهم المصالح مال يتفرع لمؤنة القاسمين ، لزم الإمام أن ينصب في كل بلد قاسما ، فإن لم تحصل الكفاية بواحد ، زاد بحسب الحاجة ، وإلا فلا يعين قاسما لئلا يغالي في الأجرة ، ولئلا يواطئه بعضهم ، فيحيف ، بل يدع الناس ليستأجروا من شاءوا ، وإذا لم تكن في القسمة تقويم ، كفى قاسم على المذهب ، وقيل قولان ثانيهما يشترط اثنان ، وإن كان تقويم ، اشترط اثنان ، وللإمام أن ينصب قاسما ، لجعله حاكما في التقويم ، ويعتمد في التقويم عدلين ، وهل للقاضي أن يحكم بمعرفته في التقويم ؟ قولان ، كقضائه بعلمه ، وقيل : لا يجوز قطعا ؛ لأنه تخمين مجرد ، ولو فوض الشركاء القسمة إلى واحد بالتراضي ، جاز قطعا .

                                                                                                                                                                        [ ص: 202 ] فرع

                                                                                                                                                                        القاسم المنصوب من جهة الإمام يدر رزقه من بيت المال على الصحيح ، وبه قطع الجمهور . وقال أبو إسحاق : لا يدر ، وهذا ضعيف . وإذا لم يكف مؤنته من بيت المال ، فأجرته على الشركاء ، سواء طلب جميعهم القسمة أم بعضهم ، وقال ابن القطان وغيره : على الطالب وحده ، والصحيح الأول ، ثم إن استأجر الشركاء قاسما ، وسموا له أجرة ، وأطلقوا ، فتلك الأجرة توزع على قدر الحصص على المذهب ، وقيل قولان ثانيهما على عدد الرءوس ، ويجري الطريقان فيما لو استأجروه استئجارا فاسدا ، فقسم ، أن أجرة المثل كيف توزع ؟ وفيما لو أمروا قاسما فقسم ، ولم يذكروا أجرة ، وقلنا : تجب أجرة المثل في مثل ذلك ، وفيما لو أمر القاضي قاسما فقسم قسم إجبار .

                                                                                                                                                                        ولو استأجروا قاسما ، وسمى كل واحد أجرة التزمها ، فله على كل واحد ما التزم ، هذا إذا استأجروا جميعا بأن قالوا : استأجرناك لتقسم بيننا كذا بدينار على فلان ، ودينارين على فلان مثلا أو وكلوا وكيلا عقد لهم كذلك ، فلو استأجروا في عقود مترتبة ، فعقد واحد لإفراز نصيبه ، ثم الثاني كذلك ، ثم الثالث ، فقد جوزه القاضي حسين ، وأنكره الإمام ، وقال : هذا بناء على أنه يجوز استقلال بعض الشركاء باستئجار القاسم لإفراز نصيبه ، ولا سبيل إليه ؛ لأن إفراز نصيبه لا يمكن إلا بالتصرف في نصيب الآخرين ترددا وتقريرا ولا سبيل إليه إلا برضاهم ، لكن يجوز انفراد أحدهم برضى الباقين فيكون أصلا ووكيلا ولا حاجة إلى عقد الباقين ، وحينئذ إن فصل ما على كل واحد بالتراضي ، فذاك ، وإن أطلق ، عاد الخلاف في كيفية التوزيع . [ ص: 203 ] فرع

                                                                                                                                                                        إذا كان أحد الشريكين طفلا ، نظر إن كان في القسمة غبطة له ، فعلى الولي طلب القسمة ، وبدل حصته من الأجرة من مال الطفل وإلا فلا يطلبها ، وإن طلبها الشريك الآخر وأجيب ، فإن قلنا : الأجرة على الطالب خاصة ، فذاك ، وإن قلنا : على الجميع ، فوجهان ، أحدهما : على الطالب لئلا يجحف بالصبي بلا غبطة ، وأصحهما تؤخذ حصة الصبي من ماله .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية