الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 219 ] كتاب الخلع

                                                                                                                          وإذا كانت المرأة مبغضة للرجل ، وتخشى ألا تقيم حدود الله في حقه ، فلا بأس أن تفتدي نفسها منه وإن خالعته لغير ذلك كره ، ووقع الخلع وعنه : لا يجوز ، فإن عضلها لتفتدي نفسها منه ، ففعلت ، فالخلع باطل ، والعوض مردود ، والزوجية بحالها ، إلا أن يكون طلاقا ، فيقع رجعيا .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          كتاب الخلع

                                                                                                                          يقال : خلع امرأته خلعا ، وخالعها مخالعة ، واختلعت هي منه ، فهي خالع ، وأصله من خلع الثوب; لأن المرأة تنخلع من لباس زوجها ، قال تعالى : هن لباس لكم وأنتم لباس لهن [ البقرة : 187 ] وهو عبارة عن فراق امرأته بعوض بألفاظ مخصوصة ، وفائدته : تخليصها من الزوج على وجه لا رجعة له عليها إلا برضاها .

                                                                                                                          ( وإذا كانت المرأة مبغضة للرجل ) لخلقه ، أو خلقه ، أو دينه ، أو كبره ، أو ضعفه ، أو نحو ذلك ( وتخشى ألا تقيم حدود الله في حقه ، فلا بأس أن تفتدي نفسها منه ) ; لقوله تعالى : فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به [ البقرة : 229 ] ; ولقول ابن عباس : جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله ، ثابت بن قيس ما أعيب عليه في دين ولا خلق ، ولكني أكره الكفر في الإسلام ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : تردين عليه حديقته ؛ قالت : نعم ، فأمرها بردها ، وأمره ففارقها رواه البخاري ، وبه قال جميع الفقهاء في الأمصار ، إلا بكر بن عبد الله المزني ، فإنه لم يجزه ، وزعم أن آية الخلع منسوخة بقوله تعالى : وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج [ النساء : 20 ] .

                                                                                                                          وقال ابن سيرين ، وأبو قلابة : لا يحل الخلع حتى يجد على بطنها رجلا; لقوله تعالى : ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة [ ص: 220 ] [ النساء : 19 ] والجواب عن ذلك بأنه قول عمر وعلي ، ولم يعرف لهما في الصحابة مخالف ، فكان كالإجماع ، ودعوى النسخ لا تسمع حتى يثبت تعذر الجمع ، وأن الآية الناسخة متأخرة ، ولم يثبت ذلك ، وظاهره : أنه يباح لها أن تفتدي نفسها منه ، وصرح به في " الوجيز " و " الفروع " ، والمذهب أنه يسن إجابتها إليه; لأن حاجتها داعية إلى فرقته ، إلا أن يكون له إليها ميل ومحبة ، فيسن صبرها وعدم افتدائها - نص عليه - واختلف كلام الشيخ تقي الدين في وجوبه ، وألزم بعض حكام المقادسة الفضلاء به ، نقل أبو طالب : إذا كرهته حل أن يأخذ منها ما أعطاها .

                                                                                                                          ( وإن خالعته لغير ذلك ) أي : لغير سبب مع استقامة الحال ( كره ، ووقع الخلع ) عند أصحابنا والأكثر; لقوله تعالى : فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا [ النساء : 4 ] ( وعنه : لا يجوز ) ولا يصح ، وقاله ابن عباس وخلق; لقوله تعالى : ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا [ البقرة : 229 ] وقوله عليه السلام : أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة رواه أبو داود من حديث ثوبان ، وقوله عليه السلام : المختلعات هن المنافقات رواه أحمد ، واحتج من حديث أبي هريرة ، قال المؤلف : والحجة مع من حرمه ، وخصوص الآية في التحريم يجب تقديمها على عموم آية الجواز مع ما عضدها من الأخبار .

                                                                                                                          فرع : لا يفتقر الخلع إلى حاكم - نص عليه - ورواه البخاري عن عمر وعثمان; لأنه معاوضة ، فلم يفتقر إلى سلطان كالبيع والنكاح ، وقال الحسن وابن [ ص: 221 ] سيرين : لا يجوز إلا عند السلطان ، وجوابه ما سبق مع أنه قطع عقد بالتراضي أشبه الإقالة ( فإن عضلها ) بأن ضاررها بالضرب والتضييق عليها ظلما ، أو منعها حقها من النفقة والقسم ونحوه ( لتفتدي نفسها منه ، ففعلت ، فالخلع باطل ، والعوض مردود ) في قول الجمهور; لقوله تعالى : ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن [ النساء : 19 ] ; ولأنه عوض أكرهت على بذله بغير حق ، فكان باطلا كالثمن في البيع ( والزوجية بحالها ) ; لأن المقتضي للفرقة الخلع الصحيح ولم يوجد ( إلا أن يكون طلاقا فيقع رجعيا ) أي : إذا لم يملك العوض ، وقلنا : الخلع طلاق ، وقع الطلاق بغير عوض ، فإن كان أقل من ثلاث فله رجعتها; لأن الرخصة إنما سقطت بالعوض ، فإذا سقط العوض ثبتت الرجعة - إن كان بلفظ طلاق أو نيته - وإلا فهو لغو ، وقيل : يقع بائنا إن صح بلا عوض ، وإن قلنا : هو فسخ ولم ينو به الطلاق لم يقع شيء; لأن الخلع بغير عوض لا يقع على الأشهر ، ويتخرج أنه إن أخذ منها شيئا على الوجه المذكور رده ووقع الخلع عليه ، إذا قلنا : يقع بغير عوض .

                                                                                                                          وعلى كلامه يستثنى صور منها : إذا ضربها لتركها فرضا ، أو على نشوزها ، أو منعها حقها من أجله لم يحرم خلعها ، ومنها : إذا ضربها لسوء خلقه لا يريد بذلك الفداء ، لم يحرم خلعها; لأنه لم يعضلها ليذهب ببعض ما آتاها ، وهو آثم بالظلم ، ومنها : إذا زنت فعضلها لتفتدي نفسها منه - جاز وصح الخلع ، نص عليه; لقوله تعالى : إلا أن يأتين بفاحشة مبينة [ النساء : 19 ] والاستثناء من النهي إباحة .

                                                                                                                          [ ص: 222 ] فرع : إذا قالت : بعني عبدك هذا وطلقني بألف ، ففعل - صح ، وبسطت الألف على الصداق المسمى وقيمة العبد على الأشهر .




                                                                                                                          الخدمات العلمية