الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              جماع أبواب سيرته- صلى الله عليه وسلم- في المرضى والمحتضرين [والموتى]

                                                                                                                                                                                                                              الباب الأول في سيرته- صلى الله عليه وسلم- في عيادة المريض

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد ، عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- قال : أتاني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا مريض في أناس من الأنصار يعودوني .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أيضا عنه : أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عاد عبد الله بن رواحة ، قال : فما تحور له عن فراشه الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو ليلى عن عثمان- رضي الله تعالى عنه- أنه كان يخطب ، فقال : «أما والله قد صحبنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الحضر والسفر ، فكان يعود مرضانا ، ويشيع جنائزنا ويغدو معنا ويواسينا بالقليل والكثير» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم ، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال : كنا جلوسا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا جاء رجل من الأنصار فسلم عليه ، ثم أدبر الأنصاري . فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «يا أخا الأنصار . كيف أخي سعد بن عبادة ؟ » فقال : صالح ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «من يعوده منكم ؟ » فقام وقمنا معه ونحن بضعة عشر ، ما علينا نعال ولا خناف ولا قلانس ولا قمص نمشي في تلك السباخ حتى جئناه ، فاستأخر قومه من حوله حتى دنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الذين معه» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود عن حصين بن وحوح أن طلحة بن البراء مرض فأتاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعوده فقال : «إني لا أرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا ، فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله» . [ ص: 350 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري ، في الأدب ، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال : «دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على أم السائب وهي ترفرف ، فقال : ما لك ؟ فقالت : الحمى- أخزاها الله تعالى- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «لا تسبيها فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود ، عن أم العلاء ، عمة حزام بن حكيم الأنصاري- رضي الله تعالى عنهما- قالت : عادني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني- برجال الصحيح- عن فاطمة الخزاعية رضي الله [تعالى] عنها- قالت : عاد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- امرأة من الأنصار وهي وجعة ، فقال لها : «كيف تجدينك ؟ » قالت بخير إلا أن أم ملدم قد برحت بي ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «اصبري فإنها تذهب خبث ابن آدم ، كما يذهب الكير خبث الحديد» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، وأبو داود ، عن أسامة بن زيد- رضي الله تعالى عنهما- قال : دخلت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على عبد الله بن أبي نعوده في مرضه الذي مات فيه ، فلما دخل عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عرف فيه الموت ، قال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «قد كنت أنهاك كثيرا عن حب يهود» فقال عبد الله : قد بغضهم أسعد بن زرارة فمات .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، والبخاري ، وأبو داود عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن غلاما من اليهود كان يخدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فمرض فأتاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعوده فقعد عند رأسه فقال له : «أسلم» ، فنظر إلى أبيه وهو عنده ، فقال له : أطع أبا القاسم فأسلم ، فخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يقول : «الحمد لله الذي أنقذه من النار» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني ، عن سلمان- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عاد رجلا من الأنصار ، فلما دخل عليه ، ووضع يده على جبينه فقال : «كيف تجدك ؟ » فلم يحر إليه شيئا الحديث» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن ماجه ، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال : عاد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- [ ص: 351 ] رجلا من أصحابه به وجع ، وأنا معه فقبض على يده فوضع يده على جبهته ، قال : وكان يرى ذلك من تمام عيادة المريض» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو الحسن بن الضحاك عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال : كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا يعود مريضا إلا بعد ثلاث وروى أبو يعلى ، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال : كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا فقد رجلا من أصحابه ثلاثة أيام سأل عنه فإن كان غائبا دعا له ، وإن كان شاهدا زاره ، وإن كان مريضا عاده» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري ، وأبو داود ، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال : جاءني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعودني ليس براكب بغل ولا برذون» .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه ابن ماجه ، ولفظه «عادني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ماشيا وأبو بكر ، وأنا في بني سلمة» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام مالك ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف- رضي الله تعالى عنه- أن مسكينة مرضت فأخبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بمرضها ، قال وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعود المساكين ، ويسأل عنهم الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، والبخاري في الأدب ، وأبو داود ، عن زيد بن أرقم- رضي الله تعالى عنه- قال : أصابني رمد فعادني رسول الله- صلى الله عليه وسلم-» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال : دخلت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نعود زيد بن أرقم ، وهو يشتكي عينيه- الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وروى عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- فقال : كيف تجدك ؟ قال : صالحا أصلحها والله» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، والترمذي ، عن أنس- رضي الله تعالى [عنه]- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- [ ص: 352 ] دخل على رجل يعوده وهو في الموت فسلم عليه ، فقال : «كيف تجدك ؟ » فقال : بخير أرجو الله تعالى ، وأخاف ذنوبي ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «لن يجتمعا في قلب رجل عند هذا الموطن إلا أعطاه الله تعالى رجاءه وأمنه مما يخاف» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري في الأدب ، وابن حبان وأبو يعلى ، برجال الصحيح عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال : كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا عاد مريضا جلس عند رأسه ثم قال :

                                                                                                                                                                                                                              «سبع مرات : «أسأل الله العظيم ، رب العرش العظيم ، أن يشفيك» ، فإن كان في أجله تأخير عوفي من وجعه
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو يعلى برجال ثقات عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا عاد مريضا يضع يده على المكان الذي يألم ، ثم يقول : «باسم الله لا بأس» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، وابن ماجه ، عن أبي هريرة- رضي الله [تعالى] عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عاد مريضا- ومعه أبو هريرة- ، من وعك كان به ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «أبشر إن الله تعالى يقول : ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا لتكون حظه من النار في الآخرة» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البيهقي ، وابن ماجه ، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دخل على مريض يعوده فقال : «أتشتهي شيئا ؟ أتشتهي : كعكا ؟ » قال : نعم فطلبوه له» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن ماجه عن ابن عباس أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عاد رجلا فقال : «ما تشتهي ؟ » قال : أشتهي خبز بر ، قال النبي- صلى الله عليه وسلم- «من كان عنده خبز بر فليبعث إلى أخيه» ، ثم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إذا اشتهى مريض أحدكم شيئا فليطعمه» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام إسحاق ، عن السائب بن يزيد- رضي الله تعالى عنه- قال اشتكيت شكوى فحملوني إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فبات يرقيني بالقرآن- وينفث علي به . [ ص: 353 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني ، عن سلمان- رضي الله تعالى عنه- قال : دخل علي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعودني فلما أراد أن يخرج قال : «يا سلمان كشف الله ضرك ، وغفر ذنبك ، وعافاك في دينك وأجلك في أجلك» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان ، والحارث ، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دخل على أعرابي يعوده في مرضه وهو محموم ، وكان إذا دخل على مريض قال : «لا بأس . طهور إن شاء الله تعالى» ، فقال الأعرابي بل هي حمى تفور في جوف شيخ كبير حتى تزيره القبور ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «فنعم إذا» .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه الإمام أحمد برجال ثقات عن أنس- رضي الله تعالى عنه- بلفظ كفارة وطهور» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسدد ، عن عبد الرحمن بن عوف- رضي الله تعالى عنه- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا عاد مريضا يقول : «اللهم أذهب عنه ما يجد ، وأجره فيما ابتليته» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو يعلى عن عثمان- رضي الله تعالى عنه- قال : مرضت وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعودني فعوذني يوما فقال : «بسم الله الرحمن الرحيم . أعيذك بالله الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد من شر ما تجد» ، فلما استقل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قائما قال «يا عفان تعوذ بها ، فما تعوذتم بمثلها» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو يعلى ، والبزار بسند صحيح عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عاد رجلا من الأنصار فقال : «يا خال قل : لا إله إلا الله» فقال خال أم عم ؟

                                                                                                                                                                                                                              قال : لا ، بل خال قال : وخير إلي أن أقولها قال : نعم»
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية