الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 15 ] ثم دخلت سنة سبع وستمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ذكر الشيخ شهاب الدين في " الذيل " أن في هذه السنة تمالأت ملوك الجزيرة; صاحب الموصل وصاحب سنجار ، وصاحب إربل ، ومعهم ابن أخيه الظاهر صاحب حلب وملك الروم أيضا ، على مخالفة العادل ومنابذته ومقاتلته واصطلام الملك من يده ، وأن تكون الخطبة للملك كيخسرو بن قليج أرسلان صاحب الروم ، وأرسلوا إلى الكرج ليقدموا لحصار خلاط وأخذها من يد الملك الأوحد بن العادل ، ووعدهم النصر والمعاونة عليه . قلت : وهذا بغي وعدوان ينهى الله عنه ، فأقبلت الكرج بملكهم إيواني ، فحاصروا خلاط ، فضاق بهم الأوحد ذرعا ، وقال : هذا يوم عصيب . فقدر الله تعالى أن في يوم الاثنين تاسع عشر ربيع الآخر اشتد حصارهم للبلد ، وأقبل ملكهم إيواني وهو راكب على جواده وهو سكران ، فسقط به جواده في بعض الحفر التي قد أعدت مكيدة حول البلد ، فبادر إليه رجال البلد ، فأخذوه أسيرا حقيرا ، فأسقط في أيدي الكرج ، فلما أوقف بين يدي الأوحد أطلقه ومن عليه ، وأكرمه وأحسن إليه ، وفاداه على مائتي ألف دينار وألفي [ ص: 16 ] أسير من المسلمين ، وتسليم إحدى وعشرين قلعة متاخمة لبلاد الأوحد ، وأن يزوج ابنته من أخيه الملك الأشرف موسى ، وأن يكون عونا له على من يحاربه ، فأجابه إلى ذلك كله ، فأخذت الأيمان منه بذلك ، وبعث الأوحد إلى أبيه يستأذنه في ذلك كله ، والعادل نازل بظاهر حران في أشد حيرة مما قد دهمه من الأمر الفظيع ، فبينما هو كذلك إذ أتاه هذا الأمر الهائل والتدبير من عزيز حكيم ، لم يكن في باله ولا حسابه ، فكاد يذهل فرحا وسرورا ، وأجاز جميع ما فعله ولده ، وطارت الأخبار بما وقع بين الملوك ، فخضعوا وذلوا عند ذلك ، وأرسل كل منهم يعتذر مما نسب إليه ، ويحيل على غيره ، فقبل منهم اعتذاراتهم ، وصالحهم صلحا أكيدا ، واستقبل الملك عقدا جديدا . ووفى ملك الكرج للأوحد بجميع ما شرطه عليه ، وتزوج الأشرف ابنته . ومن غريب ما ذكره الشيخ أبو شامة في هذه الكائنة أن قسيس الملك كان حزاء ينظر في النجوم ، فقال للملك قبل ذلك بيوم : اعلم أنك تدخل غدا إلى قلعة خلاط ولكن بزي غير زيك أذان العصر . فوافق دخوله إليها أسيرا وقت أذان العصر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية