الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ أما ]

                                                          أما : الأمة : المملوكة خلاف الحرة . وفي التهذيب : الأمة المرأة ذات العبودة ، وقد أقرت بالأموة . تقول العرب في الدعاء على الإنسان : رماه الله من كل أمة بحجر ; حكاه ابن الأعرابي ; قال ابن سيده : وأراه من كل أمت بحجر ، وجمع الأمة أموات وإماء وآم وإموان وأموان ; كلاهما على طرح الزائد ، ونظيره عند سيبويه أخ وإخوان ; قال الشاعر :


                                                          أنا ابن أسماء أعمامي لها وأبي إذا ترامى بنو الإموان بالعار



                                                          ، وقال القتال الكلابي :


                                                          أما الإماء فلا يدعونني ولدا     إذا ترامى بنو الإموان بالعار



                                                          ويروى : بنو الأموان ; رواه اللحياني ; قال الشاعر في آم :


                                                          محلة سوء أهلك الدهر أهلها     فلم يبق فيها غير آم خوالف



                                                          ، قال السليك :


                                                          يا صاحبي ألا لا حي بالوادي     إلا عبيد وآم بين أذواد



                                                          ، وقال عمرو بن معدي كرب :


                                                          وكنتم أعبدا أولاد غيل     بني آم مرن على السفاد



                                                          ، قال آخر :


                                                          تركت الطير حاجلة عليه     كما تردى إلى العرسات آم



                                                          وأنشد الأزهري للكميت :


                                                          تمشي بها ربد النعا     م تماشي الآم الزوافر



                                                          قال أبو الهيثم : الآم جمع الأمة ، كالنخلة والنخل والبقلة والبقل ، وقال : وأصل الأمة أموة ، حذفوا لامها لما كانت من حروف اللين ، فلما جمعوها على مثال نخلة ونخل ، لزمهم أن يقولوا أمة وأم ، فكرهوا أن يجعلوها على حرفين ، وكرهوا أن يردوا الواو المحذوفة لما كانت آخر الاسم ، يستثقلون السكوت على الواو فقدموا الواو فجعلوها ألفا فيما بين الألف والميم . قال الليث : تقول ثلاث آم ، وهو على تقدير أفعل ; قال أبو منصور : لم يزد الليث على هذا ، قال : وأراه ذهب إلى أنه كان في الأصل ثلاث أموي ، قال : والذي حكاه لي المنذري أصح وأقيس ، لأني لم أر في باب القلب حرفين حولا ، وأراه جمع على أفعل ، على أن الألف الأولى من آم ألف أفعل ، والألف الثانية فاء أفعل ، وحذفوا الواو من آمو ، فانكسرت الميم كما يقال في جمع جرو ثلاثة أجر ، وهو في الأصل ثلاثة أجرو فلما حذفت الواو جرت الراء ، قال : والذي قاله أبو الهيثم قول حسن قال ، قال المبرد : أصل أمة فعلة ، متحركة العين ، قال : وليس شيء من الأسماء على حرفين إلا وقد سقط منه حرف يستدل عليه بجمعه أو بتثنيته أو بفعل إن كان مشتقا منه لأن أقل الأصول ثلاثة أحرف ، فأمة الذاهب منه واو لقولهم أموان . قال : وأمة فعلة متحركة يقال في جمعها آم ، ووزن هذا أفعل كما يقال أكمة وآكم ، ولا يكون فعلة على أفعل ، ثم قالوا إموان كما قالوا إخوان . قال ابن سيده : وحمل سيبويه أمة على أنها فعلة لقولهم في تكسيرها آم كقولهم أكمة وآكم ; قال ابن جني : القول فيه عندي أن حركة العين قد عاقبت في بعض المواضع تاء التأنيث ، وذلك في الأدواء نحو رمث رمثا وحبط حبطا ، فإذا ألحقوا التاء أسكنوا العين فقالوا حقل حقلة ومغل مغلة ، فقد ترى إلى معاقبة حركة العين تاء التأنيث ، ومن ثم قولهم جفنة وجفنات وقصعة وقصعات ، لما حذفوا التاء حركوا العين ، فلما تعاقبت التاء وحركة العين جرتا في ذلك مجرى الضدين المتعاقبين ، فلما اجتمعا في فعلة ترافعا أحكامهما ، فأسقطت التاء حكم الحركة وأسقطت الحركة حكم التاء ، وآل الأمر بالمثال إلى أن صار كأنه فعل ، وفعل باب تكسيره أفعل . قال الجوهري : أصل أمة أموة ، بالتحريك ، لأنه يجمع على آم ، وهو أفعل مثل أينق . قال : ولا يجمع فعلة بالتسكين على ذلك . التهذيب : قال ابن كيسان يقال جاءتني أمة الله ، فإذا ثنيت قلت جاءتني أمتا الله ، وفي الجمع على التكسير جاءني إماء الله ، وأموان الله وأموات الله ، ويجوز أمات الله ، على النقص . ويقال : هن آم لزيد ، ورأيت آميا لزيد ، ومررت بآم لزيد ، [ ص: 146 ] فإذا كثرت فهي الإماء والإموان والأموان . ويقال : استأم أمة غير أمتك ، بتسكين الهمزة ، أي اتخذ ، وتأميت أمة . ابن سيده : وتأمى أمة اتخذها ، وأماها جعلها أمة . وأمت المرأة وأميت وأموت ; الأخيرة عن اللحياني ، أموة : صارت أمة . قال مرة : ما كانت أمة ولقد أموت أموة ، وما كنت أمة ولقد تأميت وأميت أموة . الجوهري : وتأميت أمة أي اتخذت أمة ; قال رؤبة :


                                                          يرضون بالتعبيد والتآمي     ولقد أموت أموة

                                                          .

                                                          قال ابن بري : وتقول هو يأتمي بزيد أي يأتم به ; قال الشاعر :


                                                          نزور امرأ أما الإله فيتقي     وأما بفعل الصالحين فيأتمي



                                                          والنسبة إليها أموي ، بالفتح ، وتصغيرها أمية . وبنو أمية : بطن من قريش ، والنسبة إليهم أموي ، بالضم ، وربما فتحوا . قال ابن سيده : والنسب إليه أموي على القياس ، وعلى غير القياس أموي . وحكى سيبويه : أميي على الأصل ، أجروه مجرى نميري وعقيلي ، وليس أميي بأكثر في كلامهم ، إنما يقولها بعضهم . قال الجوهري : ومنهم من يقول في النسبة إليهم أميي ، يجمع بين أربع ياءات قال : وهو في الأصل اسم رجل ، وهما أميتان : الأكبر والأصغر ، ابنا عبد شمس بن عبد مناف ، أولاد علة ; فمن أمية الكبرى أبو سفيان بن حرب والعنابس والأعياص ، وأمية الصغرى هم ثلاثة إخوة لأم اسمها عبلة يقال هم العبلات ، بالتحريك . وأنشد الجوهري هذا البيت للأحوص وأفرد عجزه :


                                                          أيما إلى جنة أيما إلى نار



                                                          قال : وقد تكسر . قال ابن بري : وصوابه إيما ، بالكسر ، لأن الأصل إما ، فأما أيما فالأصل فيه أما ، وذلك في مثل قولك أما زيد فمنطلق ، بخلاف إما التي في العطف فإنها مكسورة لا غير . وبنو أمة : بطن من بني نصر بن معاوية . قال : وأما ، بالفتح ، كلمة معناها الاستفتاح بمنزلة ألا ، ومعناهما حقا ، ولذلك أجاز سيبويه أما إنه منطلق وأما أنه ، فالكسر على ألا إنه ، والفتح حقا أنه . وحكى بعضهم : هما والله لقد كان كذا أي أما والله ، فالهاء بدل من الهمزة : وأما أما التي للاستفهام فمركبة من ما النافية وألف الاستفهام . الأزهري : قال الليث أما استفهام جحود كقولك أما تستحي من الله ؟ ، قال : وتكون أما تأكيدا للكلام واليمين كقولك أما إنه لرجل كريم ، وفي اليمين كقولك : أما والله لئن سهرت لك ليلة لأدعنك نادما ، أما لو علمت بمكانك لأزعجنك منه . قال الفراء في قوله - عز وجل - : مما خطيئاتهم قال : العرب تجعل ما صلة فيما ينوى به الجزاء كأنه من خطيئاتهم ما أغرقوا ، قال : وكذلك رأيتها في مصحف عبد الله وتأخيرها دليل على مذهب الجزاء ، ومثلها في مصحفه : ( أي الأجلين ما قضيت ) ألا ترى أنك تقول : حيثما تكن أكن ؟ ومهما تقل أقل ؟ قال الفراء : قال الكسائي في باب أما وإما : إذا كنت آمرا أو ناهيا أو مخبرا فهو أما مفتوحة ، وإذا كنت مشترطا أو شاكا أو مخيرا أو مختارا فهي إما ، بكسر الألف ; قال : وتقول من ذلك في الأول أما الله فاعبده وأما الخمر فلا تشربها وأما زيد فقد خرج ، قال : وتقول في النوع الثاني إذا كنت مشترطا إما تشتمن فإنه يحلم عنك ، وتقول في الشك : لا أدري من قام إما زيد وإما عمرو ، وتقول في التخيير : تعلم إما الفقه وإما النحو ، وتقول في المختار : لي دار ب الكوفة فأنا خارج إليها ، فإما أن أسكنها ، وإما أن أبيعها ; قال الفراء : ومن العرب من يجعل إما بمعنى أما الشرطية ; قال : وأنشدني الكسائي لصاحب هذه اللغة إلا أنه أبدل إحدى الميمين ياء :


                                                          يا ليتما أمنا شالت نعامتها     إيما إلى جنة إيما إلى نار



                                                          قال الجوهري : وقولهم إيما وأيما يريدون أما ، فيبدلون من إحدى الميمين ياء . قال المبرد : إذا أتيت بإما وأما فافتحها مع الأسماء واكسرها مع الأفعال ; وأنشد :


                                                          إما أقمت وأما أنت ذا سفر     فالله يحفظ ما تأتي وما تذر



                                                          كسرت إما أقمت مع الفعل ، وفتحت وأما أنت لأنها وليت الاسم ; قال :


                                                          أبا خراشة أما أنت ذا نفر



                                                          المعنى : إذا كنت ذا نفر ; قال : قاله ابن كيسان قال : قال الزجاج إما التي للتخيير شبهت بإن التي ضمت إليها ما مثل قوله عز وجل : إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ; كتبت بالألف لما وصفنا ، وكذلك ألا كتبت بالألف لأنها لو كانت بالياء لأشبهت إلى ، قال : قال البصريون : أما هي " أن " المفتوحة ضمت إليها ما عوضا من الفعل ، وهو بمنزلة " إذ " ، المعنى إذ كنت قائما فإني قائم معك وينشدون :


                                                          أبا خراشة أما أنت ذا نفر



                                                          قالوا : فإن ولي هذه الفعل كسرت فقيل إما انطلقت انطلقت معك ; وأنشد :


                                                          إما أقمت وأما أنت مرتحلا



                                                          فكسر الأولى وفتح الثانية ، فإن ولي هذه المكسورة فعل مستقبل أحدثت فيه النون فقلت : إما تذهبن فإني معك ، فإن حذفت النون جزمت فقلت إما يأكلك الذئب فلا أبكيك . قال الفراء في قوله - عز وجل - : إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا قال : إما هاهنا جزاء أي إن شكر وإن كفر . قال : وتكون على إما التي في قوله - عز وجل - : إما يعذبهم وإما يتوب عليهم فكأنه قال خلقناه شقيا أو سعيدا . الجوهري : وإما ، بالكسر والتشديد ، حرف عطف بمنزلة أو في جميع أحوالها إلا في وجه واحد ، وهو أنك تبتدئ بأو متيقنا ثم يدركك الشك ، وإما تبتدئ بها شاكا ولا بد من تكريرها . تقول : جاءني إما زيد وإما عمرو ; وقول حسان بن ثابت :


                                                          إما تري رأسي تغير لونه     شمطا فأصبح كالثغام الممحل



                                                          يريد : إن تري رأسي ، وما زائدة ; قال : وليس من إما التي تقتضي [ ص: 147 ] التكرير في شيء ، وذلك في المجازاة . تقول : إما تأتني أكرمك . قال - عز من قائل - : فإما ترين من البشر أحدا . وقولهم : أما ، بالفتح فهو لافتتاح الكلام ولا بد من الفاء في جوابه تقول : أما عبد الله فقائم قال : وإنما احتيج إلى الفاء في جوابه لأن فيه تأويل الجزاء كأنك قلت : مهما يكن من شيء فعبد الله قائم . قال : وأما ، مخفف تحقيق للكلام الذي يتلوه ، تقول : أما إن زيدا عاقل ، يعني أنه عاقل على الحقيقة . لا على المجاز . وتقول : أما والله وقد ضرب زيد عمرا . الجوهري : أمت السنور تأمو أماء أي صاحت ، وكذلك ماءت تموء مواء .

                                                          إما لا : في حديث بيع الثمر : إما لا فلا تبايعوا حتى يبدو صلاح الثمر قال ابن الأثير : هذه كلمة ترد في المحاورات كثيرا ، وقد جاءت في غير موضع من الحديث ، وأصلها إن وما ولا ، فأدغمت النون في الميم وما زائدة في اللفظ لا حكم لها . قال الجوهري : قولهم : إما لا فافعل كذا بالإمالة ، قال : أصله إن لا وما صلة ، قال : معناه إلا يكن ذلك الأمر فافعل كذا ، قال : وقد أمالت العرب لا إمالة خفيفة ، والعوام يشبعون إمالتها فتصير ألفها ياء ، وهو خطأ ، ومعناها : إن لم تفعل هذا فليكن هذا . قال الليث : قولهم : إما لا فافعل كذا إنما هي على معنى إن لا تفعل ذلك فافعل ذا ، ولكنهم لما جمعوا هؤلاء الأحرف فصرن في مجرى اللفظ مثقلة فصار لا في آخرها كأنه عجز كلمة فيها ضمير ما ذكرت لك في كلام طلبت فيه شيئا فرد عليك أمرك فقلت : إما لا فافعل ذا . قال : وتقول : الق زيدا وإلا فلا ، معناه : وإلا تلق زيدا فدع ; وأنشد :


                                                          فطلقها فلست لها بكفء     وإلا يعل مفرقك الحسام



                                                          فأضمر فيه وإلا تطلقها يعل ، وغير البيان أحسن . وروى أبو الزبير عن جابر : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى جملا نادا فقال : لمن هذا الجمل ؟ فإذا فتية من الأنصار قالوا : استقينا عليه عشرين سنة وبه سخيمة فأردنا أن ننحره فانفلت منا ، فقال : أتبيعونه ؟ قالوا : لا بل هو لك ، فقال : إما لا فأحسنوا إليه حتى يأتي أجله قال أبو منصور : أراد إلا تبيعوه فأحسنوا إليه ، وما صلة ، والمعنى إن لا فوكدت بما ، وإن حرف جزاء هاهنا ، قال أبو حاتم : العامة ربما قالوا في موضع : افعل ذلك إما لا افعل ذلك . . . مارى ، وهو فارسي مردود ، والعامة تقول أيضا : أما لي فيضمون الألف وهو خطأ أيضا . قال : والصواب إما لا غير ممال لأن الأدوات لا تمال . ويقال : خذ هذا إما لا ، والمعنى إن لم تأخذ ذلك فخذ هذا ، وهو مثل المثل ، وقد تجيء ليس بمعنى لا ولا بمعنى ليس ; ومن ذلك قول لبيد :


                                                          إنما يجزى الفتى ليس الجمل



                                                          أراد لا الجمل . وسئل سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العزل عن النساء فقال : لا عليكم أن لا تفعلوا فإنما هو القدر ، معناه : ليس عليكم أن لا تفعلوا يعني : العزل ، كأنه أراد ليس عليكم الإمساك عنه من جهة التحريم ، وإنما هو القدر إن قدر الله أن يكون ولد كان . ابن الأعرابي : لاوى فلان فلانا إذا خالفه . وقال الفراء : ويت أي : قلت لا ، وابن الأعرابي : يقال : لوليت بهذا المعنى . ابن سيده : لو حرف يدل على امتناع الشيء لامتناع غيره ، فإن سميت به الكلمة شددت ; قال :


                                                          وقدما أهلكت لو كثيرا     وقبل اليوم عالجها قدار



                                                          وأما الخليل فإنه يهمز هذا النحو إذا سمي به كما يهمز النئور . وقال الليث : حرف أمنية كقولك : لو قدم زيد ، لو أن لنا كرة ، فهذا قد يكتفى به عن الجواب ، قال : وقد تكون لو موقوفة بين نفي وأمنية إذا وصلت بلا . وقال المبرد لو توجب الشيء من أجل وقوع غيره ، ولولا تمنع الشيء من أجل وقوع غيره . وقال الفراء فيما روى عنه سلمة : تكون لو ساكنة الواو إذا جعلتها أداة ، فإذا أخرجتها إلى الأسماء شددت واوها وأعربتها ; ومنه قوله :


                                                          علقت لوا تكرره     إن لوا ذاك أعيانا



                                                          وقال الفراء : لولا إذا كانت مع الأسماء فهي شرط ، وإذا كانت مع الأفعال فهي بمعنى هلا ، لوم على ما مضى وتحضيض لما يأتي ، قال : ولو تكون جحدا وتمنيا وشرطا ، وإذا كانت شرطا كانت تخويفا وتشويقا وتمثيلا وشرطا لا يتم . قال الزجاج : لو يمتنع بها الشيء لامتناع غيره ، تقول : لو جاءني زيد لجئته ، المعنى بأن مجيئي امتنع لامتناع مجيء زيد . وروى ثعلب عن الفراء قال : ويت أي : قلت لولا ، قال : وابن الأعرابي قال : لوليت ، قال أبو منصور : وهو أقيس . وقال الفراء في قوله تعالى : فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون يقول : لم يكن منكم أحد كذلك إلا قليلا فإن هؤلاء كانوا ينهون فنجوا ، وهو استثناء على الانقطاع مما قبله كما قال - عز وجل - : إلا قوم يونس ولو كان رفعا كان صوابا . وروى المنذري عن ثعلب قال : لولا ولوما إذا وليت الأسماء كانت جزاء وأجيبت ، وإذا وليت الأفعال كانت استفهاما . ولولاك ولولاي بمعنى : لولا أنت ولولا أنا استعملت . وأنشد الفراء :


                                                          أيطمع فينا من أراق دماءنا     ولولاه لم يعرض لأحسابنا حسن



                                                          قال : والاستفهام مثل قوله : لو ما تأتينا بالملائكة : وقوله : لولا أخرتني إلى أجل قريب المعنى : هلا أخرتني إلى أجل قريب ، وقد استعلمت العرب لولا في الخبر ; قال الله تعالى : لولا أنتم لكنا مؤمنين وأنشد :


                                                          لوما هوى عرس كميت لم أبل



                                                          قال ابن كيسان : المكني بعد لولا له وجهان : إن شئت جئت بمكني المرفوع فقلت : لولا هو ولولاهم ولولا هي ولولا أنت ، وإن شئت وصلت المكني بها فكان كمكني الخفض ، والبصريون يقولون هو خفض ، و الفراء يقول : وإن كان في لفظ الخفض فهو في موضع رفع . قال : وهو أقيس القولين ، تقول : لولاك ما قمت ولولاي ولولاه ولولاهم ولولاها ، والأجود لولا أنت كما قال - عز وجل - : لولا أنتم لكنا مؤمنين ، [ ص: 148 ] وقال :


                                                          ومنزلة لولاي طحت كما هوى     بأجرامه من قلة النيق منهوي



                                                          وقال رؤبة :


                                                          وهي ترى لولا ترضى التحريما



                                                          يصف العانة يقول : هي ترى روضا لولا أنها ترى من يحرمها ذلك ; وقال في موضع آخر :


                                                          وراميا مبتركا مزكوما     في القبر لولا يفهم التفهيما



                                                          قال : معناه هو في القبر لولا يفهم ، يقول : هو كالمقبور إلا أنه يفهم كأنه قال : لولا أنه يفهم التفهيم . قال الجوهري : لو حرف تمن وهو لامتناع الثاني من أجل امتناع الأول ، تقول : لو جئتني لأكرمتك ، وهو خلاف " إن " التي للجزاء لأنها توقع الثاني من أجل وقوع الأول ، قال : وأما لولا فمركبة من معنى إن ولو ، وذلك أن لولا تمنع الثاني من أجل وجود الأول . قال ابن بري : ظاهر كلام الجوهري يقضي بأن لولا مركبة من " أن " المفتوحة ولو ، لأن لو للامتناع وأن للوجود ، فجعل لولا حرف امتناع لوجود . قال الجوهري : تقول : لولا زيد لهلكنا أي : امتنع وقوع الهلاك من أجل وجود زيد هناك ; قال : وقد تكون بمعنى هلا كقول جرير :


                                                          تعدون عقر النيب أفضل مجدكم     بني ضوطرى لولا الكمي المقنعا



                                                          وإن جعلت لو اسما شددته فقلت : قد أكثرت من اللو ، لأن حروف المعاني والأسماء الناقصة إذا صيرت أسماء تامة بإدخال الألف واللام عليها أو بإعرابها شدد ما هو منها على حرفين ، لأنه يزاد في آخره حرف من جنسه فتدغم وتصرف . إلا الألف فإنك تزيد عليها مثلها فتمدها لأنها تنقلب عند التحريك لاجتماع الساكنين همزة فتقول في لا : كتبت لاء حسنة ; قال أبو زبيد :


                                                          ليت شعري ! وأين مني ليت ؟     إن ليتا وإن لوا عناء



                                                          وقال ابن سيده : حكى ابن جني عن الفارسي سألتك حاجة فلأيلت لي أي : قلت لي لا ، اشتقوا من الحرف فعلا ، وكذلك أيضا اشتقوا منه المصدر وهو اسم فقالوا اللألأة ، وحكي أيضا عن قطرب أن بعضهم قال : لا أفعل ، فأمال لا . قال : وإنما أمالها لما كانت جوابا قائمة بنفسها وقويت بذلك فلحقت باللوة بالأسماء والأفعال فأميلت كما أميلا ، فهذا وجه إمالتها . وحكى أبو بكر في لا وما من بين أخواتهما : لويت لاء حسنة ، بالمد ، ومويت ماء حسنة ، بالمد ، لمكان الفتحة من لا وما . قال ابن جني : القول في ذلك أنهم لما أرادوا اشتقاق فعلت من لا وما لم يمكن ذلك فيهما وهما على حرفين ، فزادوا على الألف ألفا أخرى ثم همزوا الثانية كما تقدم فصارت لاء وماء ، فجرت بعد ذلك مجرى باء وحاء بعد المد . وعلى هذا قالوا في النسب إلى ما لما احتاجوا إلى تكميلها اسما محتملا للإعراب : قد عرفت مائية الشيء ، فالهمزة الآن إنما هي بدل من ألف لحقت ألف ما ، وقضوا بأن ألف ما ، ولا مبدلة من واو كما ذكرناه من قول أبي علي ومذهبه في باب الراء ، وأن الراء منها ياء حملا على طويت ورويت . قال : وقول أبي بكر لمكان الفتحة فيهما أي : لأنك لا تميل ما ولا فتقول : ما ولا ممالتين ، فذهب إلى أن الألف فيهما من واو كما قدمناه من قول أبي علي ومذهبه . وتكون زائدة كقوله - تعالى - : لئلا يعلم أهل الكتاب وقالوا : نابل ، يريدون لا بل ، وهذا على البدل . ولولا : كلمة مركبة من لو ولا ، ومعناها : امتناع الشيء لوجود غيره كقولك : لولا زيد لفعلت ، وسألتك حاجة فلوليت لي أي : قلت : لولا كذا ; كأنه أراد لولوت فقلب الواو الأخيرة ياء للمجاورة ، واشتقوا أيضا من الحرف مصدرا كما اشتقوا منه فعلا فقالوا : اللولاة . قال ابن سيده : وإنما ذكرنا هاهنا ييت ولوليت لأن هاتين الكلمتين المغيرتين بالتركيب إنما مادتهما لا ولو ، ولولا أن القياس شيء بريء من التهمة لقلت : إنهما غير عربيتين ; فأما قول الشاعر :


                                                          للولا حصين عيبه أن أسوءه     وأن بني سعد صديق ووالد



                                                          فإنه أكد الحرف باللام . وقوله في الحديث : إياك واللو فإن اللو من الشيطان ، يريد قول المتندم على الفائت : لو كان كذا لقلت ولفعلت ، وكذلك قول المتمني لأن ذلك من الاعتراض على الأقدار ، والأصل فيه لو ساكنة الواو ، وهي حرف من حروف المعاني يمتنع بها الشيء ، لامتناع غيره ، فإذا سمي بها زيد فيها واو أخرى ، ثم أدغمت وشددت حملا على نظائرها من حروف المعاني ، والله أعلم . ‏

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية