الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 388 ] جماع أبواب سيرته- صلى الله عليه وسلم- في الصدقة

                                                                                                                                                                                                                              الباب الأول في بعثه- صلى الله عليه وسلم- العمال لأخذها من الأغنياء وردها على الفقراء ووصيته عماله بالعدل وآدابه في الصدقة

                                                                                                                                                                                                                              روى البخاري ، عن عقبة بن الحارث - رضي الله عنه- قال : «صلى بنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- العصر فأسرع ثم دخل البيت ، فلم يلبث أن خرج ، فقلت ، أو قيل له ، فقال : «كنت خلفت في البيت تبرا من الصدقة فكرهت أن أبيته فقسمته» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان ، عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال : «غدوت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعبد الله بن أبي طلحة ليحنكه ، فوافيته في يده الميسم يسم إبل الصدقة» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عنه : قال : «دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يسم غنما في آذانها» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود ، والطبراني- برجال الصحيح- عن أبي مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال بعثني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ساعيا فقال : «انظر» وفي لفظ : «انطلق أبا مسعود ، ولا ألقينك تجيء يوم القيامة على ظهرك بعير من إبل الصدقة له رغاء [قد] غللته» ، قال : ما أنا بسائر في وجهي هذا ، قال : «إذن لا أكرهك» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني- برجال الصحيح- عن عبادة بن الصامت- رضي الله تعالى عنه- والإمام الشافعي ، عن طاوس- رضي الله عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعثه على الصدقة فقال : «يا أبا الوليد اتق الله ، لا تأت يوم القيامة ببعير تحمله له رغاء ، أو بقرة لها خوار ، أو شاة لها يعار» ، [ ص: 389 ] ولفظ الشافعي «تيعر لها ثؤاج قال يا رسول الله : «إن ذلك لكذلك ، قال : «إي والذي نفسي بيده» زاد الشافعي «إلا من رحم الله» قال : «والذي بعثك بالحق لا أعمل لك على شيء أبدا» ولفظ الشافعي «لا أعمل على اثنين أبدا» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البزار- برجال الصحيح- عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال : «بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سعد بن عبادة مصدقا فقال يا سعد : «اتق الله أن تجيء يوم القيامة ببعير تحمله له رغاء» قال : «لا آخذه أعفني ، فأعفاه» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى عبد الله ابن الإمام أحمد ، في زوائد المسند وأبو داود ، عن أبي بن كعب ، - رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعثه مصدقا على بني عذرة ، وجميع بني سعد بن هذيم بن قضاعة . قال : فصدقتهم ، الحديث» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عن عقبة بن عامر الجهني- رضي الله تعالى عنه- قال : «بعثني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ساعيا فاستأذنته أن آكل من الصدقة ، فأذن لي» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الترمذي ، وحسنه ، والدارقطني ، عن أبي جحيفة- رضي الله تعالى عنه- قال : بعث فينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ساعيا فأخذ الصدقة من أغنيائنا فردها على فقرائنا ، فكنت غلاما يتيما لا مال لي فأعطاني قلوصا» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام الشافعي ، عن ابن سعر عن سعر أخي بني عدي- رضي الله تعالى عنه- قال : «جاءني رجلان فقالا : إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعثنا نصدق أموال الناس قال فأخرجت لهما شاة ماخضا أفضل ما وجدت فرداها علي وقالا إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نهانا أن نأخذ الشاة الحبلى ، فأعطيتهما شاة من وسط الغنم فأخذاها» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني- بسند ضعيف- عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا بعث السعاة على الصدقات أمرهم بما أخذوا من الصدقات أن تجعل في ذوي قرابة من أخذ منهم الأول فالأول إن لم يكن له قرابة ، فلأولى العشيرة ، ثم لذي الحاجة من الجيران وغيرهم» . [ ص: 390 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى الأئمة : إلا مالكا ، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعث معاذا إلى اليمن ، فقال إنك تقدم على قوم أهل الكتاب ، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل ، فإذا عرفوا الله عز وجل فأخبرهم أن الله عز وجل قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم ، فإذا فعلوا ذلك فأخبرهم أن الله- عز وجل- قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم ، فإذا أطاعوا فخذ منهم وتوق كرائم أموالهم ، واتق دعوة المظلوم ، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، والشيخان ، وأبو داود ، والدارقطني ، عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال : «بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عمر على الصدقة ، فقيل : منع ابن جميل وخالد بن الوليد ، والعباس عم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرا فأغناه الله ، وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا قد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله ، وأما العباس فعم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فهي علي ومثلها معها» وفي رواية «فهي عليه ومثلها معها صدقة» ، ثم قال : «يا عمر : أما علمت أن العم صنو أبيه» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الدارقطني ، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال : «بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عمر ساعيا ، فأتى العباس يطلب صدقة ماله ، فأغلظ له العباس فخرج إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فأخبره ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إن العباس قد أسلفنا زكاة ماله العام ، والعام المقبل» ورواه ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تعجل من العباس صدقة سنتين» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الحارث ، والطبراني- بسند جيد- عن قرة بن دعموص- رضي الله تعالى عنه- قال : «بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الضحاك بن قيس ساعيا على قومي فلما رجع فجاء بإبل جلة فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- «أتيت هلال بن عامر ، ونمير بن عامر ، وعامر بن ربيعة ، فأخذت جلة أموالهم» ، فقال : يا رسول الله إني سمعتك تذكر الغزو فأردت أن آتيك بإبل تركبها ، وتحمل أصحابك ، فقال : «والله للذي تركت أحب إلي من الذي جئت به ، اذهب فارددها عليهم ، وخذ من حواشي أموالهم» . [ ص: 391 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمامان الشافعي ، وأحمد ، والشيخان ، وأبو داود ، عن أبي حميد الساعدي- رضي الله تعالى عنه- قال : «استعمل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رجلا من الأزد يقال له ابن الأتبية» وفي لفظ «يدعي ابن اللتبية على صدقات بني سليم- فلما جاء حاسبه ، فقال : هذا مالكم وهذا هدية فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «فهلا جلست في بيت أمك وأبيك حتى تأتيك هديتك- إن كنت صادقا» ثم قام خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «أما بعد : فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله ، فيأتي فيقول : «هذا لكم وهذا هدية أهديت إلي أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته ؟ إن كان ، والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله تعالى يحمله يوم القيامة فلأعرفن أحدا منكم لقي الله تعالى يوم القيامة يحمل بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار ، أو شاة تيعر» ثم رفع يديه حتى رئي بياض إبطيه ، قال : «اللهم هل بلغت ؟ » .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم ، عن عدي بن عميرة الكندي- رضي الله تعالى عنه- قال : سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول : «من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطا فما فوقه كان غلولا يأتي به يوم القيامة» فقام إليه رجل أسود من الأنصار ، كأني أنظر إليه ، فقال يا رسول الله : اقبل عني عملك ، قال : «وما لك ؟ » قال : سمعتك تقول كذا وكذا قال : «وأنا أقوله الآن ، من استعملناه منكم على عمل فليجئ بقليله وكثيره ، فما أوتي منه أخذ وما نهي عنه انتهى» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن ماجه عن العلاء الحضرمي- رضي الله تعالى عنه- قال : «بعثني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى البحرين- أو إلى هجر- فكنت آتي الحائط يكون بين الإخوة يسلم أحدهم فآخذ من المسلم العشر ، ومن المشرك الخراج» .

                                                                                                                                                                                                                              تنبيه : في بيان غريب ما سبق .

                                                                                                                                                                                                                              الميسم بميم مكسورة ، فتحتية ساكنة ، فسين مهملة مكسورة ، فميم : حديدة يكوى بها .

                                                                                                                                                                                                                              رغاء- براء مضمومة ، فغين معجمة ، فألف : صوت الإبل .

                                                                                                                                                                                                                              الغلول- بغين معجمة ، فلام مضمومتين فواو فلام : الخيانة في الغنيمة . [ ص: 392 ]

                                                                                                                                                                                                                              خوار- بضم الخاء المعجمة ، وواو ، وألف ، وراء .

                                                                                                                                                                                                                              يعار- بتحتية ، فعين مهملة ، فألف ، فراء : صياح .

                                                                                                                                                                                                                              القلوص- بقاف مفتوحة فلام ، فواو ، فصاد مهملة . الشابة من البقر والغنم والظباء .

                                                                                                                                                                                                                              أعتاده- بهمزة مفتوحة ، فعين مهملة ساكنة .

                                                                                                                                                                                                                              صنو أبيه- بصاد مهملة ، فنون ساكنة ، فواو : مثله .

                                                                                                                                                                                                                              اللتبية : بلام مضمومة ، وفوقية ساكنة ، فموحدة مكسورة ، فتحتية فتاء تأنيث . [ ص: 393 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية