الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 212 ] ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين وستمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها عمر الأشرف مسجد جراح ظاهر باب الصغير .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها قدم رسول الأنبرور ملك الفرنج إلى الأشرف ومعه هدايا; منها دب أبيض ، شعره مثل شعر الأسد ، ذكروا أنه ينزل إلى البحر ، فيخرج السمك فيأكله ، ومنها طاووس أبيض أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها كملت عمارة القيسارية التي هي قبلي النحاسين ، وحول إليها سوق الصاغة ، وشغر سوق اللؤلؤ الذي كان فيه الصاغة العتيقة عند الحدادين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها جددت الدكاكين التي بالزيادة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : وقد جددت شرقي هذه الصاغة الجديدة قيساريتان في زماننا ، وسكنها الصواغ وتجار الذهب والجوهر ، وهما حسنتان ، والجميع وقف الجامع المعمور .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها كمل بناء المدرسة المستنصرية ببغداد ، ولم تبن مدرسة قبلها مثلها ، ووقفت على المذاهب الأربعة; من كل طائفة اثنان وستون فقيها ، وأربعة معيدين ، ومدرس لكل مذهب ، وشيخ حديث ، وقارئان ، وعشرة مستمعين ، [ ص: 213 ] وشيخ طب وعشرة من المسلمين يشتغلون بعلم الطب ، ومكتب للأيتام ، وقرر للجميع من الخبز واللحم والحلوى والنفقة ما فيه كفاية وافرة لكل واحد . ولما كان يوم الخميس خامس رجب حضرت الدروس بها ، وحضر الخليفة المستنصر بالله بنفسه الكريمة وأهل دولته من الأمراء والوزراء والقضاة والفقهاء والصوفية والشعراء ، ولم يتخلف أحد من هؤلاء ، وعمل سماط عظيم بها ، أكل منه الحاضرون ، وحمل منه إلى سائر دروب بغداد من بيوتات الخواص والعوام ، وخلع على جميع المدرسين بها والحاضرين فيها ، وعلى جميع الدولة والفقهاء والمعيدين ، وكان يوما مشهودا ، وأنشدت الشعراء الخليفة المدائح الفائقة والقصائد الرائقة . وقد ذكر ذلك ابن الساعي في تاريخه مطولا مبسوطا شافيا كافيا وافيا ، وقرر لتدريس الشافعية بها الإمام محيي الدين أبو عبد الله بن فضلان ، وللحنفية الإمام العلامة رشيد الدين أبو حفص عمر بن محمد الفرغاني ، وللحنابلة الإمام العالم محيي الدين يوسف بن الشيخ أبي الفرج بن الجوزي ، ودرس عنه يومئذ ابنه عبد الرحمن نيابة لغيبته في بعض الرسالات إلى الملوك ، ودرس للمالكية يومئذ الشيخ الصالح العالم أبو الحسن المغربي المالكي نيابة أيضا حتى يعين شيخ غيره . ووقفت خزائن كتب لم يسمع بمثلها في كثرتها وحسن نسخها وجودة الكتب الموقوفة بها . وكان المتولي لعمارة هذه المدرسة مؤيد الدين أبو طالب محمد بن العلقمي الذي وزر بعد ذلك ، وقد كان إذ ذاك أستاذ دار الخلافة ، [ ص: 214 ] وخلع عليه يومئذ وعلى الوزير نصير الدين خلعة . ثم عزل مدرس الشافعية في رابع عشر ذي القعدة بقاضي القضاة أبي المعالي عبد الرحمن بن مقبل ، مضافا إلى ما بيده من القضاء ، وذلك بعد وفاة محيي الدين بن فضلان ، وقد ولي القضاء مدة ودرس بالنظامية وغيرها ، ثم عزل ، ثم رضي عنه ، ثم درس بالمستنصرية كما ذكرنا ، فلما توفي وليها بعده ابن مقبل - رحمهم الله تعالى - .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية