الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 312 ] [ ص: 313 ] سورة المؤمنون

                                                                                                                                                                                                                                      بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      آ. (1) قوله : قد أفلح : العامة على " أفلح " مفتوح الهمزة والحاء فعلا ماضيا مبنيا للفاعل. وورش على قاعدته من نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها وحذفها. وعن حمزة في الوقف خلف: فروي عنه كورش، وكالجماعة. وقال أبو البقاء: "من ألقى حركة الهمزة على الدال وحذفها فعلته: أن الهمزة بعد حذف حركتها صيرت ألفا، ثم حذفت لسكونها وسكون الدال قبلها في الأصل. ولا يعتد بحركة الدال لأنها عارضة". وفي كلامه نظر من وجهين، أحدهما: أن اللغة الفصيحة في النقل حذف الهمزة من الأصل فيقولون: المرة والكمة في: المرأة والكمأة. واللغة الضعيفة فيه إبقاؤها وتدييرها بحركة ما قبلها فيقولون: المراة والكماة بمدة بدل الهمزة كراس وفاس فيمن خففهما. فقوله: "صيرت ألفا" ارتكاب لأضعف اللغتين.

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني: أنه - وإن سلم- أنها صيرت ألفا فلا نسلم أن حذفها لسكونها وسكون الدال في الأصل، بل حذفها لساكن محقق في اللفظ وهو الفاء من "أفلح"، ومتى وجد سبب ظاهر أحيل الحكم عليه دون السبب المقدر.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 314 ] وقرأ طلحة بن مصرف وعمرو بن عبيد "أفلح" مبنيا للمفعول أي: دخلوا في الفلاح. فيحتمل أن يكون من أفلح متعديا. يقال: أفلحه أي: أصاره إلى الفلاح، فيكون "أفلح" مستعملا لازما ومتعديا. وقرأ طلحة أيضا "أفلح" بفتح الهمزة واللام وضم الحاء. وتخريجها على أن الأصل "أفلحوا المؤمنون" بلحاق علامة جمع قبل الفاعل كلغة "أكلوني البراغيث" فيجيء فيها ما قدمته في قول: "ثم عموا وصموا كثير منهم" "وأسروا النجوى [652/أ] " الذين ظلموا " قال عيسى: "سمعت طلحة يقرؤها. فقلت له: أتلحن؟ قال: نعم كما لحن أصحابي" يعني اتبعتهم فيما قرأت به. فإن لحنوا على سبيل فرض المحال فأنا لاحن تبعا لهم. وهذا يدل على شدة اعتناء القدماء بالنقل وضبطه خلافا لمن يغلط الرواة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن عطية: "وهي قراءة مردودة". قلت: ولا أدري كيف يردونها مع ثبوت مثلها في القرآن بإجماع وهما الآيتان المتقدمتان؟ وقال الزمخشري: "وعنه - أي عن طلحة- "أفلح" بضمة بغير واو، اجتزاء بها عنها كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      3401 - فلو أن الأطبا كان حولي . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .



                                                                                                                                                                                                                                      وفيه نظر من حيث إن الواو لا تثبت في مثل هذا درجا لئلا يلتقي ساكنان، فالحذف هنا لا بد منه فكيف يقول اجتزاء عنها بها؟ وأما تنظيره بالبيت [ ص: 315 ] فليس بمطابق; لأن حذفها من الآية ضروري ومن البيت ضرورة. وهذه الواو لا يظهر لفظها في الدرج، بل يظهر في الوقف وفي الخط.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد اختلف النقلة لقراءة طلحة: هل يثبت للواو صورة؟ ففي كتاب ابن خالويه مكتوبا بواو بعد الحاء، وفي "اللوامح": "وحذفت الواو بعد الحاء لالتقائهما في الدرج، وكانت الكتابة عليها محمولة على الوصل نحو: "ويمح الله الباطل". قلت: ومنه "سندع الزبانية"، "صال الجحيم".

                                                                                                                                                                                                                                      و "قد" هنا للتوقع. قال الزمخشري: "قد: نقيضة "لما"، هي تثبت المتوقع و "لما" تنفيه، ولا شك أن المؤمنين كانوا متوقعين لهذه البشارة، وهي للإخبار بثبات الفلاح لهم فخوطبوا بما دل على ثبات ما توقعوه".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية